Saturday 23 March 2013

الأردنيون يحيون ذكرى الكرامة

الأردنيون يحيون ذكرى الكرامة

21/03/2013
الجنوب نيوز- يعيش الأردن هذه الأيام، ومعه أمته العربية بالزهو والفخار ذكرى معركة الكرامة الخالدة، وأمجادها الرائعة، ونستذكر ذلك الإنجاز العسكري والانتصار العربي البارز، ونحن نستعرض صفحة الكرامة الناصعة من صفحات تاريخ الجيش العربي، ونقرأ أسفاراً من أمجاد البطولة لجيشنا الباسل في معاركه التي خاضها خلال سنوات الصراع العربي الإسرائيلي.

ذلك هو تاريخ الجيش العربي الاردني وهو يدافع هناك غرب النهر عن ثرى فلسطين، وذوداً عن الأقصى والمقدسات، وعلى أسوار القدس وبوابات الأقصى والصخرة المشرفة, عن مهد المسيح والقيامة وخليل الرحمن، وعن كل حبة تراب من الثرى الطهور وعن ثرى الجولان وفي مواقع عديدة من الوطن العربي.
البيئة الجيو ـ سياسية قبل المعركة
يمكن تلخيص البيئة الجيو – سياسية، التي سبقت معركة الكرامة بما يلي:
أ. بعد انتهاء حرب 67 أصبحت الشريعة (نهر الأردن) هي خط وقف إطلاق النار بين الأردن وإسرائيل، وامتداد وادي عربة جنوباً حتى العقبة حيث كانت القوات الأردنية ترابط على أطول خط لوقف إطلاق النار خلال فترة الصراع العربي الإسرائيلي ويبلغ طول الواجهة تقريباً 480 كيلو مترا.
ب. كانت المناطق المتاخمة لخط وقف إطلاق النار مناطق زراعية من الدرجة الأولى وتكثر فيها البيارات والبساتين وقد كان المواطنون الأردنيون يقومون بزراعة هذه الأراضي والقيام عليها تحت إشراف وحماية وسيطرة الجيش العربي واستمروا يعملون في أرضهم وبيوتهم بمؤازرة ودعم الجيش العربي لهم ، وقد كان قسمٌ كبيرٌ من الأراضي مزروعاً بحقول الألغام (التي تمت إزالتها بعد اتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل) حيث كانت هذه الحقول جزءاً من الخطة الدفاعية الأردنية إبان تلك الفترة ولا تزال المواقع هي ذات المواقع منذ انتهاء حرب الأيام الستة عام 1967.
جـ. كان الوجود الفدائي الفلسطيني في الأغوار بقرار سيادي أردني بحت نابع من الترجمة الحية لقول الملك الحسين طيب الله ثراه (كلنا فدائيون) وهذا أكبر تجسيد للنضال القومي حيث كان الفدائيون يعملون تحت حماية ودعم الجيش العربي، وهم وقادتهم يشهدون بذلك ولكن ساهمت المدفعية الأردنية إبّان فترة الاستنزاف بتسهيل عبور الفدائيين عندما كانوا يبتغون تنفيذ أية عملية فدائية وتغطية عودتهم إلى قواعدهم عبر النهر شرقاً.
د.كان الأردن يتحمل مسؤولية دعم الفدائيين والسماح لهم بالتواجد على أراضيه، وهذا عائد لاستقلالية القرار الأردني، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لاعتمادية الأردن على قواته المسلحة في حماية أراضيه والدفاع عنها ضد أي تهديد، وأن معركة الكرامة لم تقع فجأة بل كانت الفترة التي سبقتها وتلت حرب 67 مسرحاً لمعارك يومية ما بين الجيش العربي والقوات الإسرائيلية.
هـ. كانت إسرائيل تعي مدى أهمية الدور الأردني في المنطقة والذي كان يشكل رأس الحربة في النضال القومي خلال فترة الصراع، وعليه فقد كانت لها أطماع وأهداف استراتيجية كانت تخطط لها وتتحين الفرص لتنفيذها ضد الأردن، حيث كانت الأجواء السائدة آنذاك أفضل الأجواء، فأخذها العدو ذريعة وغطاء لتنفيذ تلك الأهداف مثل مقولة (تدمير قواعد العمل الفدائي في غور الأردن)، إذ أن مثل هذه المقولة لا تحتاج إلى هذا الحشد العسكري الهائل أو لتلك الحركة العسكرية طالما أن لدى إسرائيل من وسائل ومضاعفات القوة ما يكفي لقصف وتدمير الأغوار دون اللجوء إلى مهاجمتها عسكرياً الأمر الذي كان أبعد بكثير من تلك الذريعة التي خلقتها إسرائيل لتبرير هجومها العسكري واعتدائها على الأراضي الأردنية.
و. كانت الاستراتيجية السياسية والعسكرية المتبناة هي فرض سياسة الأمر الواقع وهذه تحتاج إلى عمل إجرائي على الأرض تستطيع إسرائيل من خلاله الحصول على ورقة هامة تفاوض عليها سياسياً في مراحل لاحقة، وهذا يؤكد الأهداف الاستراتيجية لتلك العملية إذ كانت أهداف إسرائيل في إعادة رسم حدودها إلى أبعد مما هي عليه.
ز. كان توضيع قوات الجيش العربي على الواجهة الوسطى وعلى أخطر الكريدورات التي تقود إلى المرتفعات الشرقية مرتفعات ناعور والسلط، وبالتالي إلى مركز الثقل (عمان) وهو الأساس في الخطة الدفاعية لقوات الجيش العربي على ذلك الكريدور خلال الفترة التي سبقت المعركة، والذي يتضمن أخطر المقتربات التي تقود بسرعة ومن أقصر الطرق إلى أهداف حاسمة وهامة.
تحليل الجوانب المهمة في المعركة
معركة الكرامة التي خاضها الجيش العربي لم تكن عملية محدودة ضد هجوم منفرد قامت به دورية إغارة مسلحة على هدف محدد، بل كانت معركة واسعة استمرت لفترة من الزمن على رقعة من الأرض، شاركت فيها كافة الأسلحة، وعليه ولكي نقف على حقيقة تلك المعركة فلا بد من إخضاع الجوانب الهامة التالية في تلك المعركة للتحليل وكما يلي:
أ . طبيعة المعركة: إن معركة الكرامة تعتبر من المعارك العسكرية المخطط لها بدقة وذلك نظراً لتوقيت العملية ولطبيعة ونوع الأسلحة المستخدمة فيها، حيث شاركت بها من الجانبين أسلحة المناورة على اختلاف أنواعها إلى جانب سلاح الجو، ولعبت خلالها كافة الأسلحة الأردنية وعلى رأسها سلاح المدفعية الملكي أدواراً فاعلة طيلة المعركة، وعليه، وبالنظر لتوقيت المعركة نجد أن لتوقيت الهجوم (ساعة الصفر) دلالة أكيدة على أن الأهداف التي خطط للاستيلاء عليها هي أهداف حاسمة للمهاجم وتحتاج القوات المنفذة لفترة من الوقت للعمل قبل الوصول إليها واحتلالها (وهذا ينفي وبشدة مقولة إن هدف معركة الكرامة هو فقط تدمير قواعد الفدائيين الفلسطينيين في الأغوار) هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن طبيعة الأسلحة المشاركة في تلك المعركة من الجانب الإسرائيلي (جميع أسلحة المناورة المسندة بأسلحة الإسناد والمدعومة بسلاح الجو) تؤكد أن المخطِّط لتلك المعركة كان قد بنى خطته على معلومات استخبارية وأمنية اتضح من خلال تقييمها حجم القوات الأردنية المقابلة وتسليحها وطبيعة دفاعها، الأمر الذي حدا بذلك المخطط لزج هذا الحجم الهائل من القوات بغية تحقيق المفاجأة وإدامة الاستحواذ على عنصر المبادأة أو المبادرة لتأسيس رأس جسر يسمح باستيعاب باقي القوات المخصصة للهجوم بغية الوصول إلى الأهداف النهائية المبتغاة. وهذا يؤكد حقيقة لا مراء فيها وهي أنه لا يمكن لأفراد “مسلحين بأسلحة خفيفة من الوقوف أمام هذا المد الإسرائيلي والجيش المنظم والمسلح بمختلف أنواع الأسلحة ” إذ ان زخم الهجوم ما كان ليكسر لولا أن القوة المقابلة كانت كبيرة ومنظمة وتعمل من مواقع دفاعية منظمة ومخططة وفقاً لأسلوب الدفاع الثابت، حيث ان القوات التي عبرت النهر قد تم التماس معها منذ البداية وتم استدراجها إلى ما بين الخطوط الدفاعية الأردنية على جبهة المعركة إلى أن تم امتصاص زخم هجومها في عمق المواقع الدفاعية التي تعتبر جهد الموقع الدفاعي الرئيسي حيث خاضت بما هو متاح لها معركة كبيرة في ذلك اليوم .
ب- اتساع جبهة المعركة: لم تكن معركة الكرامة محدودة تهدف الى تحقيق هدف مرحلي كما أشيع، بل كانت معركة امتدت جبهتها من جسر الأمير محمد شمالاً إلى جسر الأمير عبد الله جنوباً، هذا في الأغوار الوسطى وفي الجنوب كان هناك هجوم تضليلي على منطقة غور الصافي وغور المزرعة، وعليه ومن خلال دراسة جبهة المعركة نجد أن الهجوم الإسرائيلي قد خطط على أكثر من مقترب، وهذا يؤكد مدى الحاجة لهذه المقتربات لاستيعاب القوات المهاجمة وبشكل يسمح بإيصال أكبر حجم من تلك القوات على اختلاف أنواعها وتسليحها وطبيعتها إلى الضفة الشرقية بغية إحداث المفاجأة والاستحواذ على زمام المبادرة بالإضافة إلى ضرورة إحداث خرق ناجح في أكثر من اتجاه يتم البناء عليه لاحقاً ودعمه بغية الوصول إلى الهدف النهائي، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن جبهة المعركة تؤكد أن تعدد المقتربات كانت الغاية منه تشتيت الجهد الدفاعي لمواقع الجيش العربي المرابطة في المواقع الدفاعية، حيث كانت قوات منظمة أقامت دفاعها على سلسلة من الخطوط الدفاعية بدءاً من النهر وحتى عمق المنطقة الدفاعية، الأمر الذي لن يجعل اختراقها سهلاً أمام المهاجم وكما كان يتصور، لاسيما وأن المعركة قد جاءت مباشرة بعد حرب عام 1967.
جـ.أهداف المعركة : لم تكن الأهداف النهائية للمعركة التي خطط لها الإسرائيليون كما يشاع (تدمير قواعد العمل الفدائي في غور الأردن) حيث إن معركة الكرامة كانت ذات أهداف إسرائيلية استراتيجية وحاسمة تهدف إلى احتلال سلسلة الجبال الشرقية بغية فرض سياسة الأمر الواقع وهذا يؤكده حجم القوات التي تم حشدها لهذه العملية حيث وصلت إلى ما يربو على ثلاث فرق عسكرية عبر جزء منها شرقي النهر وكانت باقي القوات تحتشد في عمق المنطقة العسكرية الوسطى وتنتظر دورها في العبور نحو أهدافها حيث ان خريطة خطة الهجوم كانت تبين الأهداف النهائية بوضوح وأن المحلل العسكري عندما يرى تلك الأهداف يستطيع أن يخمن أو يقدر حجم القوات اللازمة لتنفيذ الهجوم عليها. وهذا ما يؤكده حجم القوات التي تم حشدها فعلياً في تلك المعركة، بالإضافة إلى ما تناقلته وكالات الأنباء آنذاك من أن وزير الدفاع الإسرائيلي موشي دايان كان قد أوعز للعديد من الصحفيين للاستعداد لحضور مؤتمره الصحفي الذي سيعقده في عصر ذلك اليوم في بقعة ما من المنطقة، وما كان لهذا الهوس أن يقهر لولا وقفة الجيش العربي في وجه تلك القوات المهاجمة حيث قاتل كجيش منظم ومدرب ومسلح مستخدماً ما هو متاح له بأفضل السبل.
أهداف المعركة
أهداف نفسية: هي القضاء على قوة الجيش العربي الأردني قبل أن يتمكن من إعادة التنظيم بشكل جيد بعد حرب حزيران. وتحطيم الروح المعنوية في صفوف الجيش وزعزعة الجبهة الداخلية في الأردن. اضافة لأهداف اقتصادية وتتمثل في ضرب الوضع الاقتصادي في وادي الأردن الذي يشكل المورد الزراعي الرئيسي للمملكة ليبقى أرضاً غير منتجة.
كما له اهداف تعبوية وتتمثل في احتلال المرتفعات الشرقية لغور الأردن باعتبارها منطقة تعبوية مسيطرة، وليس تعبوية فقط وإنما استراتيجية باعتبار المناطق الممتدة بعد مشارف السلط وحتى الحدود الأردنية الشرقية مناطق مكشوفة إلى حد كبير. وتثبيت القوات الأردنية المتمركزة في مواقعها الدفاعية المختلفة بواسطة القصف الجوي، وضرب المقاومين العرب في بلدة الكرامة. اما الاهداف السياسية فتتمثل، باحتلال المزيد من الأرض الأردنية والمساومة عليها. وفرض شروطها السياسية على الأردن.
محاور القتال
حشد العدو لمعركة الكرامة أفضل قواته تدريباً وخبرة قتالية فقد استخدم اللواء المدرع السابع وهو الذي سبق وأن نفذ عملية الإغارة على قرية السموع عام 1966 واللواء المدرع 60، ولواء المظليين 35، ولواء المشاة 80، وعشرين طائرة هيليوكبتر لنقل المظليين وخمس كتائب مدفعية 155 ملم و 105 ملم بالإضافة إلى قواته التي كانت في تماس مع قواتنا على امتداد خط وقف إطلاق النار، وسلاحه الجوي الذي كان يسيطر سيطرة تامة على سماء وأرض المعركة بالإضافة إلى قوة الهجوم التي استخدمها في غور الصافي وهي كتيبة دبابات وكتيبة مشاة آلية وسريتا مظليين وكتيبة مدفعية، حشدت هذه القوات جميعها في منطقة أريحا، ودفع بقوات رأس الجسر إلى مناطق قريبة من مواقع العبور الرئيسة الثلاثة، حيث كان تقربه ليلاً.
بدأ العدو قصفه المركز على مواقع الإنذار والحماية ثم قام بهجومه الكبير على الجسور الثلاثة في وقت واحد حيث كان يسلك الطريق التي تمر فوق هذه الجسور وتؤدي إلى الضفة الشرقية وهي طريق جسر داميا ( الأمير محمد) وتؤدي إلى مثلث المصري، ثم يتفرع منها مثلث العارضة- السلط-عمان وطريق أريحا ثم جسر الملك حسين –الشونة الجنوبية وادي شعيب – السلط – عمان ثم جسر الأمير عبد الله ( سويمة، ناعور) عمان.
وفي فجر يوم 21 آذار 1968 زمجرت المدافع ودنست أقدام المعتدين ماء النهر المقدس عندها انطلقت الأصوات على الأثير عبر الأجهزة اللاسلكية تعلن بدء الهجوم الصهيوني عبر النهر على الجيش الأردني الصامد المرابط.
القتال على محور جسر الأمير محمد
اندفعت القوات العاملة على هذا الجسر تحت ستار كثيف من نيران المدفعية والدبابات والرشاشات المتوسطة فتصدت لها قوات الحجاب الموجودة شرق الجسر مباشرة ودارت معركة عنيفة تمكنت قواتنا خلالها من تدمير عدد من دبابات العدو وإيقاع الخسائر بين صفوفه وإجباره على التوقف والانتشار.
عندها حاول العدو إقامة جسرين إضافيين إلا إنه فشل بسبب كثافة القصف المدفعي على مواقع العبور، ثم كرر اندفاعه ثانية وتحت ستر نيران الجو والمدفعية إلا إنه فشل أيضاً وعند الظهيرة صدرت إليه الأوامر بالانسحاب والتراجع غرب النهر تاركاً العديد من الخسائر بالأرواح والمعدات.
اما القتال على محور جسر الملك حسين: فكان هجوم العدو الرئيسي هنا موجهاً نحو الشونة الجنوبية وكانت قواته الرئيسية المخصصة للهجوم مركزة على هذا المحور الذي يمكن التحول منه إلى بلدة الكرامة والرامة والكفرين جنوباً واستخدم العدو في هذه المعركة لواءين (لواء دروع ولواء آلي) مسندين تساندهما المدفعية والطائرات.
ففي صباح يوم الخميس 21 آذار دفع العدو بفئة دبابات نحو عبور الجسر واشتبكت مع قوات الحجاب القريبة من الجسر إلا إن قانصي الدروع تمكنوا من تدمير تلك الفئة بعدها قام العدو بقصف شديد ومركز على المواقع ودفع بكتيبة دبابات وسرية محمولة وتعرضت تلك القوة إلى قصف مدفعي مستمر ساهم في الحد من اندفاعه، إلا ان العدو دفع بمجموعات أخرى من دروعه ومشاته، وبعد قتال مرير استطاعت هذه القوة التغلب على قوات الحجاب ومن ثم تجاوزتها ووصلت إلى مشارف بلدة الكرامة من الجهة الجنوبية والغربية مدمرة جميع الأبنية في أماكن تقدمهما.
واستطاع العدو إنزال الموجة الأولى من المظليين شرقي الكرامة لكن هذه الموجة تكبدت خسائر كبيرة في الأرواح وتم إفشالها، مما دفع العدو إلى إنزال موجة اخرى تمكنت هذه الأخيرة من الوصول إلى بلدة الكرامة وبدأت بعمليات تدمير لبنايات البلدة، واشتبكت مع بعض الجنود والسكان والمقاومة في قتال داخل المباني، وفي هذه الأثناء استمر العدو بمحاولاته الهجوم على بلدة الشونة الجنوبية وكانت قواتنا تتصدى له في كل مرة وتوقع به المزيد من الخسائر، وعندما اشتدت ضراوة المعركة طلب العدو ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وقف إطلاق النار ولكن جلالة القائد الأعلى للقوات المسلحة المغفور له جلالة الحسين بن طلال طيب الله ثراه أمر باستمرار القتال حتى خروج آخر جندي إسرائيلي من ساحة المعركة، وحاول العدو الانسحاب.. إلا إن قواتنا تدخلت في عملية الانسحاب وحولته إلى انسحاب غير منظم فترك العدو عدداً من آلياته وقتلاه في أرض المعركة.
اما القتال على محور جسر الأمير عبد الله، فقد حاول العدو القيام بعملية عبور من هذا المحور باتجاه ناعور – عمان وحشد لهذا الواجب قوات مدرعة إلا إنه فشل ومنذ البداية على هذا المحور ولم تتمكن قواته من عبور النهر بعد أن دمرت معظم معدات التجسير التي حاول العدو استخدامها في عملية العبور.
وفي محاولة يائسة من العدو لمعالجة الموقف فصل مجموعة قتال من قواته العاملة على مقترب وادي شعيب ودفعها إلى مثلث الرامة خلف قوة الحجاب العاملة شرق الجسر لتحاصرها إلا إنها وقعت في الحصار وتعرضت إلى قصف شديد أدى إلى تدمير عدد كبير من آلياتها.
وانتهى القتال على هذا المقترب بانسحاب فوضوي لقوات العدو وكان لمقاومة قواتنا بالمدفعية ونيران الدبابات وأسلحة مقاومة الدروع الأثر الأكبر في إيقاف تقدم العدو وبالتالي دحره خائباً خاسراً.
وفي محور غور الصافي، حاول العدو جاهداً تشتيت جهد القوات الأردنية ما أمكن، وإرهاب سكان المنطقة وتدمير منشآتها مما حدا به إلى الهجوم على مقترب غور الصافي برتل من دباباته ومشاته الآلية، ممهداً لذلك بحملة إعلانية نفسية مستخدماً المناشير التي كان يلقيها على السكان يدعوهم فيها إلى الاستسلام وعدم المقاومة، كما قام بعمليات قصف جوي مكثف على قواتنا إلا إن كل ذلك قوبل بالمقاومة العنيفة وبالتالي أجبر على الانسحاب.
وهكذا فقد فشل العدو تماماً في هذه المعركة دون أن يحقق أيّاً من أهدافه على جميع المقتربات، وخرج من هذه المعركة خاسراً مادياً ومعنوياً خسارة لم يكن يتوقعها أبداً.
لقد صدرت الأوامر الإسرائيلية بالانسحاب حوالي الساعة 1500 بعد أن رفض المغفور له جلالة الملك الحسين القائد الأعلى للقوات المسلحة آنذاك وقف إطلاق النار، والذي كان يشرف بنفسه على المعركة ويقودها ويبعث روح الحماس بين جنوده وقواته وكان بتصميمه وإرادته القوية مثلاً رائعاً تعلم منه الجميع كيف تكون الإرادة الحرة القوية فوق كل اعتبار.
لقد استغرقت عملية الانسحاب تسع ساعات نظراً للصعوبة التي عاناها الإسرائيليون في التراجع بسبب القصف المركز من جانب قواتنا.
د. السيطرة على الجسور: لقد لعب سلاحا الدروع والمدفعية الملكيان دوراً كبيراً في معركة الكرامة وعلى طول الجبهة وخاصة في السيطرة على جسور العبور، وهذا يؤكد عدم مقدرة الجيش الإسرائيلي على دفع أية قوات جديدة لإسناد هجومه الذي بدأه وذلك نظراً لعدم قدرتهم على السيطرة على الجسور خلال ساعات المعركة وقد أدى ذلك إلى فقدان القوات الإسرائيلية المهاجمة لعنصر المفاجأة وبالتالي المبادرة، وساهم بشكل كبير في تخفيف زخم الهجوم وعزل القوات المهاجمة شرقي النهر وبشكل سهّل التعامل معها واستيعابها وتدميرها، وقد استمر دور سلاح الدروع والمدفعية الملكي حاسماً طيلة المعركة من خلال حرمان الإسرائيليين من التجسير أو محاولة إعادة البناء على الجسور القديمة وحتى نهاية المعركة، وهذا يؤكد أن الجيش العربي قد خاض معركة الكرامة وهو واثق من نفسه وأن الجهد الذي بذل كان جهداً دفاعياً شرساً ومخططاً بتركيز على أهم نقاط القتل للقوات المهاجمة بغية كسر حدة زخمها وإبطاء سرعة هجومها.
هـ . توقيت بدء معركة الجيش العربي : إن مقولة أن الجيش العربي بدأ قتاله في معركة الكرامة بعد مرور خمس ساعات، وبالنظر إلى أن قصر مقتربات الهجوم يقود بسرعة إلى أهداف حاسمة (مركز الثقل )، فإن مدة خمس ساعات كافية لوصول تلك القوات إلى أهدافها خاصة في ظل حجم القوات التي تم دفعها وطبيعتها وسرعة وزخم هجومها هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نجد أنه في حال صدق هذه المقولة فإن دور كافة الأسلحة الأردنية وخاصة المدفعية يجب أن تكون مغيبة طيلة الخمس ساعات ونصف المذكورة من بدء المعركة، وهذا كافٍ لتمكين القوات الإسرائيلية من العبور وحسب المقتربات المخصصة لها حيث إنهم لا يحتاجون إلى بناء جسور أو أطواف لأن بعض الجسور موجودة أصلاً إلا ان ما ينقض هذه المقولة من أساسها هو عدم مقدرة الإسرائيليين على دعم قواتهم شرقي النهر وحاولوا جزافاً إعادة البناء على الجسور السابقة كما حاولوا بناء جسور حديدية بغية إدامة زخم الهجوم والمحافظة على زمام المبادأة إلا إن القوات الأردنية وخاصة المدفعية ومنذ اللحظات الأولى للهجوم قد فوتت عليهم الفرصة وحرمتهم منها ودليل ذلك أن حجم القوات الإسرائيلية التي تكاملت شرق النهر كانت بحجم فرقة، وهي القوات التي عبرت في الساعة الأولى من الهجوم وتم استدراجها في عمق المواقع الدفاعية، وكسر حدة هجومها وبعدها لم تتمكن القوات الإسرائيلية من زج أية قوات جديدة شرقي النهر الأمر الذي أربكها وزاد من حيرتها خاصة في ظل شراسة المواقع الدفاعية ومقاومتها الشديدة التي واجهتهم، ولقد استخدمت القوات المسلحة في قتالها القريب مع القوات الإسرائيلية المهاجمة في مدينة الشونة (العقدة الدفاعية الأمامية) كافة الأسلحة قصيرة المدى والسلاح الأبيض.
و. طلب وقف إطلاق النار : لجأت إسرائيل إلى طلب وقف إطلاق النار الساعة الحادية عشرة من يوم المعركة وهذا دليل كبير على أن قوات الجيش العربي التي واجهتها في المواقع الدفاعية كانت بحجم التحدي، وكانت المعركة بالنسبة لهم معركة وجود ومعركة “حياة أو موت” هذا على الصعيد العسكري، أما على الصعيد السياسي، فقد أصر الأردن على لسان المغفور له بإذن الله جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه على ( عدم وقف إطلاق النار طالما أن هناك جندياً إسرائيلياً واحداً شرقي النهر).
ز. الإنزال الإسرائيلي في بلدة الكرامة: إن عملية الإنزال التي قامت بها القوات الإسرائيلية شرقي بلدة الكرامة كانت الغاية منها تخفيف الضغط على قواتها التي عبرت شرقي النهر، بالإضافة لتدمير بلدة الكرامة خاصّةً عندما لم تتمكن من زج أية قوات جديدة عبر الجسور نظراً لتدميرها من قبل سلاح المدفعية الملكي كما أسلفنا وهذا دليل قاطع على أن الخطط الدفاعية التي خاضت قوات الجيش العربي معركتها الدفاعية من خلالها كانت محكمة، وساهم في نجاحها الإسناد المدفعي الكثيف والدقيق إلى جانب صمود الجنود في المواقع الدفاعية وفي عمقها وقد كانت عملية الإنزال شرق الكرامة عملية محدودة حيث كان قسم من الفدائيين يعملون فيها كقاعدة انطلاق للعمل الفدائي أحياناً بموافقة القيادة الأردنية، وبالفعل قام الإسرائيليون بتدمير بلدة الكرامة بعد أن اشتبكوا مع القوات الأردنية وعناصر من المقاومة الفلسطينية، والذين لا ننكر عليهم دورهم بأنهم قاوموا واستشهد عدد منهم في بلدة الكرامة.
نتائج المعركة
أ. كانت معركة الكرامة نقطة تحول في تاريخ الأمة العربية الحديث، وفي تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، حيث طلب العدو ولأول مرة وقف إطلاق النار وامتنع العدو بعد معركة الكرامة عن خوض أية معركة بالقوات الأرضية، واقتصرت معاركه على القصف الجوي والمدفعي، واستخدام القوات المحمولة جواً وهبوطها في الأماكن النائية والمعزولة، وتدمير بعض الجسور.
ب. على الصعيد السياسي خسرت إسرائيل خسارة كبيرة ووصمت بالعدوان وتحول قسم كبير من الرأي العام إلى الصالح العربي، وظهرت موجات من التذمر في أوساط إسرائيل الداخلية الرسمية والشعبية.
جـ. على الصعيد الاقتصادي قدرت خسائر إسرائيل بالملايين حيث استخدمت أسلحة تعادل فرقة(+) من الدروع والمدفعية والمشاة وعدداً هائلاً من الطلعات الجوية والتي كلفت نفقات باهظة ذهبت دون تحقيق أية أهداف تذكر.
د. على الصعيد النفسي فشل العدو في تحقيق هدفه بتحطيم إرادة الجيش والشعب الأردني، بل جاءت النتيجة عكسية أن ارتفعت الروح المعنوية لدى الجيش الأردني والشعب في الأردن، وفشل العدو في المحافظة على معنويات قواته التي تعودت أن ترى نفسها دائماً منتصرة، وبذلك تحطمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر.
خسائر الطرفين
بلغت خسائر الجانب الإسرائيلي 250 قتيلاً، بينهم (17) ضابطاً، و450 جريحاً. اما في المعدات فبلغت خسائره 20 دبابة ترك منها إحدى عشرة دبابة في أرض المعركة، 88 آلية مختلفة، 7 طائرات مقاتلة.
اما على الجانب الاردني فقد سقط في هذه المعركة الخالدة 86 شهيداً من الجيش العربي، بينهم (6) ضباط. وبلغ عدد الجرحى 108.

No comments:

Post a Comment