الخروج على الأخلاق الأردنية !!
09-09-2012 01:26 AM
طباعة
جراسا نيوز -
أثارني تصريح وزارة الداخلية بالقول ، أن المعتقلين قد تجاوزوا الأخلاق الأردنية ! وبالتالي كان لابد من تنفيذ حملة الاعتقالات الواسعة بحق أولئك ' الخارجون ' على تلك الأخلاق ، والتي شملت عددا من النشطاء في محافظة الطفيلة وحي الطفايلة وقبلها نشطاء آخرين لازالوا يقبعون في الزنازين ، فكان هدف الحملة الأمنية على حد تعبير الداخلية ، هو إعادة التزام أولئك النشطاء ب 'الأخلاق الأردنية ' التي تحدثوا عنها و التي تذكرنا ب 'قانون العيب ' الذي أقره السادات في وجه معارضي اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل ، ولا أدري هل يتمتع الأردنيون بأخلاق مميزه مختلفة عن بقية شعوب العالم يستدعي مخالفتها إجراءات الملاحقة والحبس !
فأن كان الجواب نعم ، فان الأخلاق الأردنية لم تقبل وعبر كل العقود سياسات الهدر في الإنفاق العام وانتشار مظاهر الفساد والاعتداء على المال العام واستغلال المناصب وانتشار مفاسد التدخل والتوجيه والتلاعب بالعملية الديمقراطية ، وانتشار الظلم والتهميش وسرقة خيرات الوطن ونهبها ، وهي لم تقبل يوما بأن ُيمنع الفاسد من المحاكمة ، وان تمتد إليه يد العون من كل موقع لتحميه من ' شر القانون وأراء الناس ' ، فكيف باتت تلك الأخلاق السامية و' الشرعية ' مخالفة لمعايير النظام الأردني تستدعي الملاحقة والحبس !
من وجهة نظر النظام ، فأن المواطن قد تجاوز سمات شخصية تميزه عن بقية شعوب العالم ، ف 'طولة البال' والصبر على الألم والظلم والجوع والتهميش والفقر وكظم الغيظ ، ومشاهدة بضع فاسدين و' قلة من العائلات 'ينهبون خيراته وثرواته وهو صامت لا يحرك ساكنا ، كانت تلك هي السمة التي يعتقد النظام أنها متلازمة لأخلاق المواطن الأردني ، حتى باتت تلك السمات مدعاة إحراج لنا امام العالم ،و ظن البعض أننا وصلنا حد 'بلادة الهندي ' الذي يقال انه كان ينتظر الجندي الانجليزي كي يأتي ليعتدي عليه ! لكن تلك الأخلاق الأردنية التي اعتادها النظام باتت ' دقة قديمة ' لا يمكن التحلي بها أمام ما يجري نصب عينيه وما يرتكب من جرائم بحق وطنه ومواطنه ، فتخطى المواطن 'الأخلاق الأردنية ' الصامتة والصابرة والمحتسبة ، وخرج إلى الشارع يطالب بإصلاحات تحمي الوطن من النزف وتحافظ على ما تبقى من ثرواته قبل أن يبتلعها طوفان الفساد الذي لم يتوقف للحظه ، فكان أن أصيب النظام وأعوانه بالدهشة من خروج المواطن الأردني عن ' وعيه ' وصبره وأخلاقه ، ولم يعد يحتمل دمار وطنه المعد له بتسلسل زمني على يد حكومات فاسدة واعوان فاسدين اعتبروا أن البلاد مزرعة لهم ولأبنائهم وان الخيرات فيها موزعة بين بضع عائلات ومقربين ، وبالتالي بات الخروج للشارع والمطالبة بالإصلاح ' ظاهرة غريبة ' وخروج عن الأخلاق ، لم يعتادها النظام الأردني من قبل ، تستدعي الإسراع في مواجهة تلك ' الأخلاق ' قبل ان تترسخ وتتعاظم ويكثر منتسبوها ،فكانت تلك الحملة الأمنية هي الرد المناسب على ارتقاء المواطن وزيادة وعيه وفهمه لما يجري ويخطط لوطنه وشعبه ، وتلك حملة لن تؤدي بكل تأكيد إلا زيادة في تأزيم الحالة الأردنية وخروج الغالبية الصامتة عن صمتها والالتحاق بالركب الإصلاحي .
حملة الاعتقالات الأخيرة كانت مؤشرا واضحا على فشل النظام في تطويق ومواجهة أزمة سياسية تعيشها البلاد منذ عامين تقريبا ، ومؤشرا خطرا على قوة ومكانة الفاسدين وسطوتهم على قرارات الحكومات و الأجهزة وأصحاب القرار ، فالكل يُجمع أن حملة الاعتقالات لم تكن بسبب رفع السقوف وإطالة اللسان على رأس الحكم ، بل لأنها امتدت إلى بضع فاسدين ومقربين ! وهو أمر لم يكن مطلوبا ولم يكن متوقعا ، وكان المطلوب دوما وبتمويل مدفوع الثمن أن تبقى السقوف مرتفعة تطال الملك وحده وتغض الطرف عن فاسدين حقيقيين ، ولذلك فان هذه الحملة تُعد نجاحا أراده بعض الفاسدين لتكميم أفواه الناس وحبس حريتهم ومنعهم من ذكر جرائمهم ومسلكهم وسياساتهم التي أوصلتنا إلى ما وصلنا اليه.
تُعد هذه الحملة كذلك ، مؤشرا اكبر على فشل الحكومات والحكومة الحالية في إقناع الناس بالمشاركة في الانتخابات وجرهم إلى الصناديق عنوة بالرغم من كل السياسات والآمال والترغيب والدعم والتجييش الذي وصل حد إشراك مؤسسات أمنية وعسكرية في تلك العملية ، وإيصال البطاقات لأصحابها في دوائرهم ، وغدا قد تصل إلى بيوتهم ، كل ذلك لم يفلح في الوصول إلى ما تريده هذه الحكومة التي فشلت وبكل جدارة في إقناع الملك أنها قادرة على تخطي عقبة ' الحرد الشعبي ' ، فلجأت إلى أكثر من وسيلة ، تارة بافتعال أزمة اقتصادية عنوانها رفع الأسعار ، وتارة بأزمة سياسية - اجتماعية عنوانها التعيينات غير المبررة ، وهاهي تحاول عبثا خلق أزمة جديدة عنوانها الحملة الأمنية التي سبقها حملات أمنية أخرى لأصحاب سوابق وعتاة إجرام ، إذ لا يعقل ان يتخطى الملك قرار الحكومة برفع الأسعار ويأمر بتجميد القرار ، ومن ثم تنطلق الحكومة بحملة اعتقالات لن توقف الخروج للشارع ، ولن تخفض من سقف الشعارات ولا التهم ، بل أنه يتعاظم ويرتفع ويتزايد معه أعداد الملتحقين بعد أن عاشت البلاد فترة هدوء نسبي وتراجع أداء الحراك ، لم تفلح الحكومة باستثماره للوصول إلى تفاهمات مع تلك القوى والحراك للخروج من الأزمة ، وقد تكون تلك الحملة وما سيتبعها من أزمات جديدة قد تصل حد القتل والتنكيل لا سمح الله من أجل جر البلاد إلى أحكام طوارئ، يقفل بها كل الملفات والأزمات التي يعتقد النظام او من يفكر بتلك ألطريقه أنها الوسيلة الأنجع للخروج من الأزمة !
الأخلاق الأردنية تميزت بحرصها على استقرار وسلامة الوطن وصون كرامة شعبه ، وان تمسكها بالحراك والتنظيم السلمي لم يكن خشية من نظام او خوف مواجهة القمع ، بل هو الحرص على استمرار نظام الحكم ، وتوطيد عرى الوحدة الوطنية وترسيخها ، والحفاظ على استقرار الوطن وأمنه وسلامة مواطنه من كل عابث ومغامر ومراهق سياسي قد يدفع الوطن لحافة الانهيار ، تلك هي الأخلاق والقيم التي يتحلى بها أبناء الوطن ، ولكن ، وفي ظل محاولات تقويض نظامه ونهب خيراته وتعريض أمنه واستقراره وهوية شعبه للخطر ، فأن القانون والأعراف والشرع يلزمه الخروج والدفاع عن وطنه ومكتسبات شعبه حتى لو دفع الثمن حبسا او ملاحقة أو حتى إغتيالا ...
علي الحراسيس
No comments:
Post a Comment