Tuesday, 17 April 2012

هزّة ذَنَب ( ذيْل )
4/16/2012 7:14:00 AM
 
يأتي الذَّنَب في كافّة المخلوقات في المؤخرة ،والرّأس في المقدمة ،ولذا عبّر أحد الحكماء موجِّها خطابه للإنسان بقوله : جعلك الله رأساً فلا تكن ذيْلاً، والذّيْل من حيث موقعه فهو ملاصق لمواقع الإخراج والفضلات الكريهة ،وبالتالي نجد الذباب والحشرات متجمّعة على هذا الذّيْل لما علق به من أوساخ وقاذورات ، فهذه بيئتها الطبيعية .
والذّيْل في بلادنا وصف للإنسان " المتذبذب "الذي ليس له رأي مستقل ولا شخصية ناضجة ، ولا يصلح إلا أن يكون تبعاً لسيّده ، أو وليّ نعمته ،فتراه لا يحمل في رأسه إلا كلام هذا السيد ، سيدي قال كذا ،وفعل كذا ،ورأيه كذا ...فهو طبْل أجوف وببّغاء تردّد دون وعْي أو إدراك .
ويطلق وصف "الذّيْل "على المنافق ، والمُنْدلق ،والمتطفّل ، أو الذي ليس له أصل أو عِرق ...ولذلك فهو يأكل على كل الموائد ، ويشرب من كل الأواني ،لا يبالي بحلال أو حرام ،ولا يهمه كرامة أو عفة أو عزة نفس ..فهذه ليست في قاموسه ،فهو مع فلان اليوم ، وغداً مع علاّن ، ويقسم أغلظ الأيمان ,هو جاهز حسب الطلب ، ولمن يدفع أكثر ويحقق له مصلحته الدنيوية الهابطة .
"هزاز الذَّنَب " في ديارنا يظهر لك في صورة بهيّة من الجمال والأناقة والهندام الحسن ، والكلام المنمق ،ومراعاة "الإتيكيت "والعلاقات العامة ،ومع علمك به يقيناً فإنك تسارع فتقول "من بَرَّه رُخام ومن جُوّا سخام " ، وربما تُثنّي وتقول : "من بَرَّه الله الله ، ومن جُوّا يعلم الله ...! " فصورة الجَمال هذه عند المحكّات والأزمات تظهر معادن الرجال ، وأصالة الذّهب ، فينكشف صاحبُنا هذا عن فساد نية ،وسوء طبع ، ونكوص عن معايير الحق والعدالة ، فيبيع دينه وشرفه بثمن بخس دراهم معدودة أو مكتسبات محدودة ، وهو في الواقع يرضى بالفُتات والدنيّة أو الدّونيّة فهما سيّان ،لأن نفسه قد هانت عليه وأصبح إمّعة ، فأيّ مردود عليه يعتبره مكسباً حتى لو كان رخيصاً .
في بلادنا قد ألِف كبار السنّ منّا ، زمرةً من الناس يُصْنعون في كل مرحلة أو زمن ، ويعبّأون ويُبرمَجون و يُشكَّلون، ويُجَهّزون لحين الطلب ،فقد عرف المستبد كيف يصنعهم من خلال نفسياتهم التي تميل " للكبْرة " أو "الشيخة " أو " تصدّر وجوه الناس " ... فأخذ يُغدق عليهم زوراً وبهتاناً : "المختار " أو "كبير البلد" أو " العمدة " أو " النائب "...ألقاب مملكة في غير موضعها ، يُقادون بصرّة من الدراهم أو هدية أو قطعة أرض أو رُخْصة، أو وعد بوظيفة ... وهؤلاء يستخدمون في الوقت المناسب الذي يريده الطاغية أو المستبد ... ليقذف بهم في وجه الأطهار ، الأبرار ، دعاة الحق والفضيلة والإصلاح ..وحدِّث ولا حرج عن آنيتهم التي تنضح بالكلام المشروخ الممجوج والكريه الذي لم يتغير بتغيُّر الزمن ..هو هو ، من عقود من الزمن ، تتغير الشخوص والمضمون واحد ، تجد على ألسنتهم ـ غير الشريفة ـ عبارات تخرج على استحياء :نحن أبناء الوطن ، وشيوخ الدِّيرة ، ورَبْع الحِمى... وكأنّ الآخرون ليسوا من هذا الوطن ! فيصفونهم ،بالمخرّبين ، ودعاة الفتنة ،والفاسدين ، والخارجين عن وشْم القبيلة، وربْق الحظيرة ، وصدق الله العظيم إذ يقول : " و إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مصلحون ، ألا إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون"( البقرة ،11ـ12)
هزّازو الذَّنَب قد يكونوا سلاطيناً و حكاماً ، وعلماء سلطان أو شيطان ،أو رجال علم ، أو رأسماليين أو من وجوه القوم ، رجال مجالس تشريعية ، إعلاميين ...المهم أنهم مزروعون وبكثافة ، ويُسمَّنون ويُعلَّفون ليوم اللقاء وساعة الخلاص ... ليُظهروا مواهبهم النِّفاقية وانتفاخ حبالهم الصوتية في الدفاع عن الباطل ،وتزيينه وكأنهم في سوق نخاسة ، فتعساً لهم.
اما موقف الامة من هذه (الطبقة) فيتلخص في كشفهم والتعرف على منهجهم "فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول"،(محمد ،30)
والحذر الشديد من ألاعيبهم "هم العدو فاحذرهم "(المنافقون ،4)والوقوف في وجوههم " فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن "(صحيح مسلم ،50) ولنعلم أنهم جبناء " يحسبون كل صيحة عليهم "(المنافقون ،4) ، فلا نغترّ بنفيرهم وضجيجهم وإعلامهم وسحْرهم الكاذب المكشوف كسحَرِة فرعون ، فستلتهمهم عصا " موسى " وعصا " الأحرار" و"الشرفاء " ولو بعد حين ، و قلْ عسى أن يكون قريباً .
(البوصلة)

No comments:

Post a Comment