Friday, 9 March 2012

7cec6b7009fe0ff14365181ce42583e5.jpg
لميس اندوني
في الوقت الذي تنذر تداعيات رفع الأسعار, بتفاقم الاحتقان الاجتماعي والتوتر السياسي, لا يمكن فهم التعامل الرسمي مع اعتصام العاطلين عن العمل في الطفيلة, والذي أدى إلى أعمال عنف واعتقالات بين صفوف المحتجين وقيادات الحراك الشعبي سواء.

من الضروري أولاً التوضيح أن الاعتصام جاء على خلفية رفض الجهات المعنية توظيف أكثر من مئة عاطل عن العمل, بناء على اتفاق مع رئيس الحكومة, ولم يكن هناك أي تفسير رسمي, معلن أو غير معلن, رغم محاولة النشطاء والسياسيين, الذين كانوا شهوداً على الاتفاق, مراجعة الحكومة وحثها على الوفاء بتعهداتها.

الاعتصام بدأ سلمياً; لكن في اليوم التالي جرى احتكاك بين المحتجين وقوات الدرك بعد تدخل أشخاص بهدف محاولة فض الاعتصام, ما أدى إلى اعتقال قوات الأمن عدداً من المشاركين في الاحتجاج. وبعدها توالت الأحداث بسرعة, من ملاحقة لقيادات الحراك, واستفزازات انتهت بمشاهد مؤسفة من إحراق للسيارات والدواليب في وسط نهار الاثنين.

لكن الأمور سرعان ما اتجهت إلى التهدئة, بعد تدخل سياسيين لهم مصداقيتهم في الشارع, بالتعاون مع قيادات الحراك الشعبي في الطفيلة, وبعد وصول معلومات عن وعود رسمية بوقف الإجراءات الأمنية, وبالتالي تم احتواء ومحاصرة الموقف.

المفاجأة جاءت بعد منتصف الليل بقليل, عند اعتقال الناشط مجدي القبالين, فيما كان يشارك, مع عدد من قيادات الحراك بتنظيف الشوارع, من آثار أعمال العنف, وذلك بعد أن بدأت الأمور تتجه إلى الحل والتهدئة.

لا يمكن بأي شكل من الأشكال, تأييد أعمال العنف وحرق الممتلكات, ولكن لا يستطيع المتتبع لما جرى, إلا استنتاج أن الجهات الرسمية, أخطأت بالتعامل مع الأزمة منذ البداية, وانها كانت تستطيع تجنب الصدام, لو فتحت باب الحوار ولم تلجأ إلى الاعتقالات ومثلها من الوسائل التي أثبتت فشلها, في احتواء أزمة تتعلق بمطالب معيشية, في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية.

الغريب في الأمر, هو ملاحقة, وبعد ذلك اعتقال عدد من قيادات الحراك, مثل فهد وأيمن العبيدين, سائد العوران, وياسر السبايلة, اضافة إلى القيادي الطلابي مجدي القبالين; نقول غريب, لأن قيادات الحراك بالذات, بذلت كل جهد, لمنع العنف, ووقف التصعيد, سواء من خلال النداءات التي كانت توجهها عبر الفيس بوك, أو الاتصالات مع السياسيين في عمان لتطويق الموقف, أو التحرك المباشر في الشارع, خوفا من انفجار غير مخطط, له علاقة بتخطيط سياسي أو تنظيمي.

من متابعتي لما جرى واتصالي المتواصل مع قيادة الحراك, وبالأخص مع مجدي القبالين, الذي برز دوره خلال اعتصام جامعة الطفيلة التقنية, لمست تخوفاً حقيقياً من أن تأخذ الأحداث في الطفيلة منحى خطيرا, ربما لا يستطيع الحراك السيطرة عليه, حتى إنني تلقيت اتصالاً منه في منتصف الليل, يبلغني أن الأزمة على وشك الانفراج, وأنه ورفاقه في الحراك يقومون بتنظيف الشوارع, وكان متفائلاً جداً بأنه سيتم الإفراج عن جميع الموقوفين.

ولكن لم تمضِ نصف ساعة على المكالمة حتى وصلني نبأ اعتقال مجدي القبالين, وكان الخبر مفاجئا خصوصا وان مجدي وآخرين, اضطروا للاختباء لفترة وجيزة, بعد أن وصلتهم أنباء عن ملاحقتهم, لكن عادوا للظهور بعد تطمينات تلقوها لذا لم يكن يتوقع أي عمليات ملاحقة, وبالتالي كان مصراً على المشاركة في تنظيف شوارع مدينته وعدم الهروب من مسؤوليته كمواطن.

أحداث الطفيلة تطرح تساؤلات كثيرة, لما تكشفه من تخبط عملي في عملية اتخاذ القرار وتعدد المرجعيات, التي تتناقض مع سعي رئيس الوزارة لفرض الولاية العامة للسلطة التنفيذية والتأكيد على فصل السلطات, أما غير المفهوم أبدا هو موقف وزارة الداخلية, خاصة أن الكتب الرسمية التي حملت قرار التوظيف الأصلي, تحمل اسمه وتوقيعه, وأن المحتجين كانوا على استعداد لفض الاعتصام لقاء إطلاق سراح المعتقلين منهم.

السؤال الأكبر هو لمصلحة من يتم مثل هذا التأزيم, في وقت بدا فيه أن النظام يحاول احتواء الغضب الشعبي في ضوء مخاوف حقيقية من تدهور الأوضاع المعيشية, لفئات واسعة من الأردنيين, وإذ بنا نرى دلائل عودة العقلية العرفية بالتعامل مع الأزمات, ومع مشكلة كان يمكن حلها بوسائل أكثر هدوءاً وروية.

هل لهذا علاقة بالانتصار الذي حققه طلبة الطفيلة التقنية, قبل شهرين, والذي أدى, إلى نزول وزيرة التعليم العالي, بنفسها إلى الجامعة ومتابعة تحقيق مطالب الطلبة بتحسين البيئة السكنية, المعيشية والاكاديمية, في ظاهرة حضارية.

ليس واضحا ما الذي دعا الحكومة للإخلال بتعهداتها, ولكن العودة إلى العقلية, لن تقدم أي حلول بل تزيد التوتر, وتعمق شعور المواطن في الطفيلة, وفي الأردن بشكل عام بالتهميش والظلم.

ولكن ما أصبح واضحاً, أن محاولة تحميل الحراك الشعبي مسؤولية ما حصل, ربما بهدف تخويفه أو إنهائه, جاء نتيجة حسابات خاطئة, لأن الحراك المنظم, كما بدا من تصرفات قيادته في الطفيلة, لا يزال صمام الأمان, وأن الاحتقان المجتمعي, وتعبيراته الأقل تنظيماً, والفشل في التعامل معه, يمثل الخطر الأكبر.

No comments:

Post a Comment