|
درزي لبناني يحكم الأردن
أحمد الربابعة
لا تزال طريقة تسلم الحكومات والوزارات والمناصب العليا في الدولة الأردنية، مدار جدل واستغراب! فبينما عُمل على تسليم ثلاث حكومات لعائلة واحدة لا يتجاوز تعدادها العشرات (عائلة الرفاعي) ... هُمشت محافظات وقبائل وعشائر بأكملها، وحرمت من تسلم رئاسة الحكومة ولو لمرة واحدة، كمحافظتي عجلون والمفرق مثلاً، وكذلك قبيلة بني حسن، التي يصل تعدادها إلى نحو مليون شخص تقريباً!
ولم تنحصر هذه الانتقائية وهذا التهميش بحدود الدولة الأردنية، بل ابتدأت أول ما بدأت خارج حدود الدولة الأردنية؛ حينما تم استقدام أحد الأشقاء اللبنانيين من الطائفة الدرزية وتسلميه رئاسة الحكومة الأردنية! حيث تم استدعاء السيد رشيد علي حسين ناصيف طليع، المعروف بـ (رشيد طليع) والذي ينتسب إلى عشائر بني معروف في لبنان، لتشكيل أول حكومة أردنية، وذلك في 11/4/1921م بالتزامن مع قدوم الأمير عبدالله الأول، ليحكُم الأردن.
عجائب ومفارقات عديدة وراء هذه الحادثة، ولا نعلم ما الذي كان يدور في عقل الأمير عبدالله الأول، حتى يستدعي أحد الأشقاء من لبنان لتسليمه رئاسة الحكومة الأردنية، وكذلك استدعاء غيره من الأشقاء من لبنان وسوريا وغيرهم، لتسلم معظم الوزارات، بينما يُحرم منها الأردنيين أنفسهم.
وطبعاً هنا النقد ليس موجهأ لرشيد طليع نفسه، أو طائفته، أو طاقم حكومته آنذاك، بل بالعكس ما هو معروف عن هذا الرجل، هو أنه أحد الرجال القوميين والذين وقفوا في وجه الاستعمار الفرنسي والبريطاني، وكذلك الحال مع الطائفة الدرزية، فلكل إنسان حرية اعتقاده وإيمانه.
أما المفارقات في تسليم رشيد طليع الحكومة الأردنية فهي عديدة كما أشرنا، ومنها:
1- أن الأردن في ذاك الوقت كان لديه العديد من الشخصيات السياسية والوطنية والمتعلمة، والتي كانت منضوية في الأحزاب والحياة السياسية آنذاك، بل وتدير حكومات محلية داخل الأردن، من مثل شاعر الأردن مصطفى وهبي التل، وراشد الخزاعي الفريحات، وحسين الطراونة وماجد العدوان، وارفيفان المجالي، وغيرهم من الشخصيات الأردنية التي يعرفها الأردنيين.
2- على المستوى الشخصي، درس الشهيد رشيد طليع في إحدى جامعات الدولة العثمانية، وتسلم العديد من مناصبها، وما هو معلوم لدينا أن الثورة العربية الكبرى جاءت ضد الأتراك والدولة العثمانية؛ فكيف مضى الأمير عبدالله الأول بثورة ضد العثمانيين، ومن ثم عاد وسلم أحد مسؤولي الدولة العثمانية رئاسة حكومته؟!
3- تم تمثيل الطائفة الدرزية مرتين في الحياة السياسية الأردنية، الأولى من خلال رشيد طليع كما أسلفنا، والثانية من خلال (ليلى شرف) وزيرة الإعلام السابقة زمن حكومة أحمد عبيدات، والمفارقة أن التمثيل الدرزي في الحكومات الأردنية لم يكن لدروز الأردن وإنما لدروز لبنان، الذين ينتمي إليهما كل من رشيد طليع وليلى شرف!
4- لم تكن حكومة رشيد طليع هي الوحيدة التي تم استدعائها من خارج الدولة الأردنية، بل تلتها لعدة سنوات حكومات اخرى، كان يُعمد بها إلى أشقاء عرب من دول مجاورة لتسلم رئاسة الحكومة وطاقمها الوزاري، في حين بقي أبناء الأردن نفسه مستثنيين من تسلم حكوماتهم لفترة ليست قصيرة.
5- ما يجب التنبه إليه هنا أيضاً، هو أن الأردنيين ظلوا منخرطين بوحدتهم وقوميتهم العربية، زمن الدولة العثمانية، وربما لم يكن واردا في حسبانهم في ذاك الوقت، من الذي تعهد إليه قيادتهم، أهو من الجغرافية الأردنية أم من خارجها؛ لكن كان من نتائج الثورة العربية، هيمنة الدول الغربية على الوطن العربي، وتقسيمه إلى دويلات، لكل دولة حاكم وشعب، منفصلة عن دول أشقائها.
وبالتأكيد أن الحادثة السابقة تثير كثير من علامات الاستفهام والدهشة، وإذا كان رحل أبطالها وشخوصها؛ فإن أبناء الشعب الأردني قادرين على استنتاج كثير من الحقائق والمعلومات التي ظلت طي الكتمان فيما مضى.
No comments:
Post a Comment