Monday, 21 November 2011




جحا وحميره العشرة و حكومة الكشرة



بقلم: عبدالله الهريشات



            يقال ان جحا اصبح ذات يوم فوجد ان الناس غير الناس فلا ضمير ولا احساس ومر بخاطره قول المتنبي :                                     

وَلَمَّا صَارَ وُدُّ النَّاسِ خِبًّا           جَزَيْتُ عَلَى ابْتِسَامٍ بِابْتِسَام

وَصِرْتُ أَشُكُّ فِيمَنْ أَصْطَفِيهِ           لِعِلْمِي أَنَّهُ بَعْضُ الأَنَامِ


  
فالفساد عم وطم ،وشَمْلُ الفاسدين التم ، فصار لهم نواب واعيان وبلاط وديوان وحكومة واعوان وبلطجية وزعران ، واصبح الحامي حرامي ونُبِذَ الشريف والعصامي ، وبعد ان صحا وفاق وجد ان حلقه جاف بلا ريق و ترياق، ووجد ان لديه عجزا في موازنته وما من احد في معاونته ، فهو ليس بمخابرات اوابنا للذوات و ليس ببعثي او شيوعي او اخوان ليكونوا له في نوائبه اعوان ، ووجد ان سيولته معدومة ، واموره مأزومة ، فزادت همومه ، فالبورصة اكلت لديه الاخضر واليابس ، وعلى بابه طابور من الدائنين منهم الواقف والجالس ، واخذ يفكر ماذا يفعل لهذه المشكلة والعقبة ( لا اقصد اقليم العقبة) لعل ان يفك ديونه التي طوقت منه الرقبة ، وخرج عليهم مكشرا عابس ، فلم يكن لديه شعب طيب بائس ، فيزيد عليه الضرائب والمتاعس ، ليغطي عجزه (اقصد عجز موازننه لا غير) ولم يكن لديه امانة (لا اقصد امانة عمان) ليشق الخط السريع للكسب الفظيع ، وليعمل براتب خبير وهو في بيته نائم العين قرير ، ولم يكن لديه مصفاة (لا اقصد مصفاة البترول) ليصفي اعماله ويُهرَّب للخارج ليسوح ويتعالج رغما عن الدائنين وكل مارج ، وليس له سكن كريم للموت الرحيم ، ولم يكن عنده اسمنت وحديد وفوسفات ليبني له بيتا في الحياة او حتى قبرا بعد الممات ، ولم يكن له امنية (لا اقصد شركة امنيه) غير ستر الحال والعيال وسد الديون والآجال .





          وجحا لم يكن عنده حظ وبخت(لا اقصد البخيت) او حتى حصيرة ليبيعها اوتخت ، ولم يكن عنده بيض(لا اقصد الخصاونه) ولا دجاج ولا لبن او نعاج ، وليس له واسطة بلا سلالم ومعارج ، واخذ يفكر ماذا يعمل لعل ان ياتيه فرج من فارج ، فما عنده شجرالدر والياسمين(بدون حذف الميم) ولا كلب للصيد ولا صقر ولاشاهين(اقصد الصقر والشاهين) كي يصطادوا له الصيد الثمين ولا حتى غراب البين ، لعله يسمع منه نعيق ، وفجأة اذا به يسمع نهيق ، وحينها قال لنفسه قول ارخميدس :وجدتها وجدنها يا صديق ، فتذكر ان له رعية من حمير ، نعم حمير فعدّها فوجدها عشرة حمير فساقها ونزل بها الى سوق الحلال والحمير ليبيعها ولسانه يهذي حمير حمير وبئس المصير ، وفي الطريق ركب واحدا منها وعدّها مرة اخرى وهو راكب فوجدها تسعة حمير، وترجل عن الحمار الذي يركبه وعدّها مرة اخرى فوجدها عشرة , فتبسم ضاحكا وزالت عنه الكشرة , فقال قولته المشهورة المبررة لئن امشي راجلا واربح حمارا خير من امشي راكبا واخسر حمارا ، واخذ يردد قول المتنبي الذي مر بخاطره صباحا واستزاد من شعره وقال :

وَفَارَقْتُ الحَبِيبَ بلا وَدَاعٍ
وَوَدَّعْتُ البِلادَ بِلا سَلامِ



          هذا هو حال جحا وقد نسي عُشر الحمير وهو راكب ، اما حال حكوماتنا ويا ليت حال حكوماتنا مثلها مثل حال جحا ولكنها نسيت او تناست التسعة اعشار من حمير وحمار- الحرامية الفُرَّار- وركبت هذا العُشر الشعب الطيب المختار.







No comments:

Post a Comment