عقد الصفقات مع لصوص البلد * ماهر ابو طير
لا يمكن أن يقبل أحد أن يتم عقد صفقات مع لصوص سرقوا أموال البلد، وهذه الصفقات تأتي تحت اسم تسويات، بحيث يتكرم اللص علينا بإعادة المبلغ المنهوب، مقابل إطلاق سراحه، وفي المعلومات أن هناك من يحاول عقد مثل هذه الصفقات.
هذا النمط -وان كان موجوداً في بعض الدول- إلا أننا لا نريده هنا، لأن الفاسد عليه ان يعيد المال الذي نهبه، وعليه ان يتحمل مسؤولية ما قام به من سرقات وحرمنة، دون ان يخشى احداً، لا دولة ولا مواطنين، ولا رب عالمين قبل الجميع.
من الطبيعي اذن ان يخرج المتظاهرون ليطالبوا بإعادة المال العام، وهذا المال تم نهبه بوسائل كثيرة ابرزها: السرقة المباشرة، السمسرة، العمولات، العطاءات المنتفخة، تمرير المعاملات، بيع الاراضي، وغير ذلك من اساليب.
رئيس الحكومة اذا قرر الدخول الى ملف الفساد في البلد، بجدية فسيتعرض الى حملة لا سابق لها، لحرقه وتشويه سمعته، لأن الفاسدين لديهم نفوذ مالي وامتداد اعلامي ووسائل كثيرة يتم اللجوء اليها.
يمكن لرئيس الحكومة ان يحمي نفسه ببساطة اذا اظهر التزاماً بمحاربة الفساد، واحال ملفات اخرى مسكوتا عنها، مثل بيع بعض الشركات، ورخص الشركات، وغير ذلك من قصص، وليكن عندها “انتحارياً” امام الرأي العام، مؤدياً امانته.
لا تجد اوقح من اللص، اذ يسرق مال الناس، واموال اولادهم، ثم يبحث عن صفقة، تضمن سمعته، وربطة عنقه البنفسجية، ولا أحد يعرف لماذا يجد اللصوص انفسهم في موقع القادر على المساومة وفرض الصفقات والتسويات؟!.
ما لا يتنبه اليه رئيس الوزراء هو اننا ندور حول قضايا فساد محددة بالاسم منذ سنين طويلة، وقد سمعنا عن احالة اكثر من عشرين قضية فساد في عهد الحكومة السابقة، ولم نسمع أية نتائج او معلومات.
كأن المقصود ان نبقى نتكلم حول أربع أو خمس قضايا بالاسم، وهذا مفيد للصوص الاخرين، ما دمنا منشغلين عنهم بغيرهم.
هيئة مكافحة الفساد مهمة، ومن العبث تطبيق الهيكلة عليها، بحيث تتراجع رواتب من فيها، لأن العاملين عددهم قليل، والهيئة بحاجة الى دعم مالي ومحققين وتقنيات وتعيين كفاءات، وبحاجة ايضاً الى توسعة لصلاحياتها، وان تتعاون معها جهات اخرى في الدولة.
لا يجوز للحكومة ان ترسل رسائل متناقضة، اذ ترفع سقف الكلام عن الفساد، لكنها لا تؤّمن دعماً لهيئة مكافحة الفساد، ولربما تصلها الهيكلة، فتنخفض رواتب من فيها، فوق ان الواحد يعمل فيهم عن خمسة موظفين.
أي أضعاف لدور الهيئة تحت تبرير يطالب بإحالة قضايا الفساد مباشرة الى القضاء، امر سلبي، فقد بات للهيئة خبرتها، ولا بد من تدعيم دورها وجعلها حلقة وسيطة ترسل المتهم الى القضاء، وان نبني على تراكم خبرتها.
الفاسدون واللصوص، فوق سرقاتهم، تسببوا بإفقار البلد، وشحن الشعب بهذا الغضب، واضروا بالحبل السري بين الناس والدولة، لأنهم أوجدوا انطباعاً انهم يحظون بالرعاية والحماية، وانهم فوق الجميع.
وعلى هذا فإن تهمتهم لا تقف عند حدود السرقة بل تصل حد تقويض الدولة وتخريب البلد، وهز بنيانه، والتسبب بكل هذه المشاكل.
اذ تسمع عن مسؤول سابق حاول سرقة مليون دينار ونصف مليون دينار نقداً، قدمتها دولة ما للاردن من اجل شراء مطاعيم اطفال، لولا ان تراجع خوفاً في اللحظة الاخيرة، ليقف قلبك امام هذا الهبوط المريع في كسر كل المحرمات!!.
المسؤول السابق، تراجع خوفاً وليس ورعاً، قبل سنوات، لأن احدهم تنبه له، واذا كان لدينا مسؤولون لديهم الاستعداد لسرقة مطاعيم الاطفال فماذا نقول عن بقية الاشياء؟!.
No comments:
Post a Comment