منذ نيف وثلاثون عام كنت ومعي شهوداً أحياء يرزقون نتبادل الحوارات السياسية ومستقبل البلاد والعباد ونجز الخز أردية، في إحدى بيوت عمان الشرقية لنتفاجأ جميعاً بشاب قد حل بيننا وقد غطى وجهه بالكامل حتى لا نرى إلا بريق عينيه، وقد عرفت بعد أسابيع أنه أنت.. وبذلك فقد برئتنا تلك الحادثة من تهمة اعتقالك وان كانت ليوم أو بضع يوم ... لكنها كما يبدوا قد أبقتك أسير الحالة.
رغم سفرك إلى بلاد الشام تلك التي يراق على جوانبها الدم وعودتك وتربعك على عرش مركز للدراسات، حتى ذكرنا إنائك بقول العرب أن ما هكذا تورد الإبل، وكي لا أطيل عليك أود إن أضعك في صورة ما يجري رغم أن العارف لا يعرف فعذراً .
أولاً : إن ما تمتاز به هذه المرحلة هو ذلك التوافق الكبير بين كل القوى السياسية حتى أكاد أجزم أنه لم تتفق هذه القوى القومية والإسلامية واليسارية والمستقلين الوطنيين على شيء مثلما تتفق هذه المرة على مسألة الإصلاح ودولته المدنية .
ثانياً : إن الحراك في المحافظات ولا أقول الصالونات هو تشكيل مجتمعي لا يلتفت للأعراق والمنابت والأصول والمعتقدات وأن لا علاقة له بالإقليميين والطائفيين والرايحين والجايين ولا بكل أولئك الذين يمتطون كل الخيول ولا خيل عندهم تهديها ولا مال.
ثالثاً : إن اللقاء بين كل هذه الحركات الشبابية والشعبية تنصب حول هدف واحد هو الإصلاح الدستوري الحقيقي الذي يشارك فيه الشعب باعتباره مصدر السلطات ويفضي بالضرورة إلى إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية يقع في أولى أولوياته قانون انتخاب يمثل الشعب تمثيلاً حقيقياً ويرسي دعائم قضاء مستقل يحاسب الفاسدين كل الفاسدين أياً كانوا، كله على طريق بناء الدولة المدنية الديمقراطية وأداتها المباشره في التطبيق حكومة الإنقاذ الوطني.
رابعاً : إن مقولة الإصلاح وما يتبعها ليست ملكاً للمثقفين والمنخرطين في العمل السياسي بل هي الآن شأناً جماهيرياً تقول فيه الحواضر والبوادي فما العيب إن قالت فيه العشائر والقبائل ؟ لقد والله قالت ونشطائها عشائر لواء عي في الكرك وفي بيانها الأول قولاً يصلح أن يكون برنامجاً لمرحلة طويلة في الأردن، وها نحن نقرأ بيانات لعشائر في محافظات البلاد ونسمع نداءات ليس فيها إلا انحيازاً للوطن ومصالحه وحرصاً شديداً على موارده المنهوبة وتوصيفاً للفاسدين بأنهم أمة واحدة جامعها المال ورابطها النهب ومنبتهم واحد وان تعددت الدماء، لم نسمع من جماهيرنا تعبيراً إقليميا أو طائفياً أو نبذاً لشعار تربينا على احترامه وسجلناه في صحيفة مبادئنا، بل نراهم يناصبون اتفاقية وادي عربة العداء ويشعلون النار بعلم الصهاينة . فلماذا ترى شجرة واحدة جافة في الغابة وتحجم عن رؤية كل هذه الظلال الوارفة.
خامساً : قد (وهنا تفيد التشكيك) تكون تعني أناساً يخوضون حروبهم الوهمية ضد الليبرالية الجديدة وهم يعنون بها هوية ما أو يعادون حركة بقصد إقصاء التمثيل للون محدد، فان كان الأمر كذلك فأنا أضم صوتي لصوتك . ولكنك بقصد أو بغيره قد أخطات هنا مرتين فالأولى حين عممت والتعميم سلامة عند النحاة إذ يقولون (سكن تسلم) ، والثانية أنك قلت فينا أكثر مما قاله مالك بالخمرة وأنت تعلم أننا لسنا من أصحاب الصالونات الأنيقة التي تتراشق معهم صنوف التهم، وان صالوننا الحقيقي هو شوارع مدننا وقرانا التي ستكون على الفاسدين حصيرا وان بيوتنا مطرزة بقول (هذا من فضل ربي) لا من فضلة الخصخصة والكمشن وأخواتها.
** بقي في الجعبة سهماً أقوله لك بأن كل هذه الألسن التي تتغني بالإقليمية والطائفية والجهوية وتلك التي تتصدى لها من نفس الموقع وبلسان عربي غير قويم، إنها جميعاً تنام في فراش واحد وتأكل من إناء واحد ويملي عليها لسان واحد أنا أعرفه وأنت تعرفه فاربأ بنفسك أنت ترعى معهم (مع الهمل) ، واعلم يا أخَ العرب أن الزبد يذهب جفاء.
والله من وراء القصد المهندس ياسين محمد الطراونه الجمعة |
No comments:
Post a Comment