بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة مفتوحة
ــــــــ
ــــــــ
إلى مقام سمو الأمير حسن حفظه الله إلى الأمير الذي أحببت
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ترددت في الكتابة لسموكم كثيرا...ولكن الدافع كان أكبر من ترددي...فالمصيبة والفاجعة كانت أعظم من أن تتحملها نفسي، ويتسع لها صدري، ويطيقها صبري...لقد سمعت...وقرأت...ووقعت في حيرة شديدة...ومثلي وهو يعرف سمو الأمير...يُعذر في حيرته، فنحن نعرف رجاحة عقلك، وسعة معرفتك، وسمو خلقك، وإخلاصك وانتماءك لوطنك وشعبك...ولقد رأينا لك عقلا راجحا رجونا الله أن يصلح وينفع بك الوطن والأمة.
وإن كان الناس يكنونك بأبي راشد، فكنت أكنيك مثلهم...وأعني إضافة إلى راشد حفظه الله الرشد.
المصيبة والفاجعة كانت عندما قرأت ما خلاصته أن سمو الأمير يقول: (مشاركون في الحراك السياسي يتقاضون مائتي دينار)، وبعد قراء الخبر مرات ومرات...تساءلت: من وشى بنا لسمو الأمير؟ من كشف له أسرارنا؟ هل قال له أن هذا المبلغ نستلمه على كل فعالية ومسيرة؟ أم شهريا؟ أم مقطوع؟ وممن نستلم هذه المبالغ؟ وكيف نستلمه، دفعة واحدة أم تقسيط؟
اعذرني يا سمو الأمير تعودنا على التقسيط...حتى جرة الغاز نرجو أن تكون بالتقسيط...
وهل المبالغ تصلنا كاش أم في الحساب؟ بالمناسبة قلة منا من لهم حسابات في البنوك...أين التقاك الوشاة في قصرك أم أرسلوا رسائلهم إليك؟...كم عددهم؟ والأهم من كل ذلك هل صدقتهم؟...المثل يقول: لا تصدق كل ما تسمع...وبعد أن جالت كل هذه الأسئلة وغيرها في ذهني وخاطري تذكرت قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، هذه إحدى آيات الكتاب الحكيم التي تحصن المجتمع وتصون تماسكه.
هذه الآية الجليلة تخاطب المؤمنين كل المؤمنين...لتذكرهم بإيمانهم، وللإيمان مقتضيات ليتمسكوا بها...وتحذرهم من ثُلَّةٍ في مجتمعهم عاثوا في الأرض فسادا، وهم الفاسقون، وتحُثُّ هذه الآية الكريمة على ضرورة التَّبَيُّن من الأخبار، فبعضها سم يسري في المجتمعات، حتى لا يتناقلها المؤمنون ويأخذوها على عِلاتها، وإن كان بعضها يوافق هوى في نفوسهم، كما يتناقلها الجهلة الذين لا يَتَبَصَّرون عاقبة الأمور وما يمكن أن تؤول إليه من إفساد المجتمعات وتشتتها...والتَّبَيُّن هنا في هذه الآية هو السياج المنيع لحماية وحدة المجتمع، والحد الفاصل الذي يواجه ويحاصر الفسق والفساد، فيصبح صاحبه معزولا مقموعا، وقد يدفعه هذا التَّبَيُّن إلى مراجعة ذاته، وقد يؤوب إلى رشده ويمتنع ويتوقف عن الإفساد في الأرض...وتصديق أخبار الفاسقين فيه مصائب في الدنيا، أهمها: الظلم، واتهام المؤمنين بما ليس فيهم...ومآله الندم...ليس في الدنيا فقط، وإنما الندم في الآخرة... {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا. يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا. لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا}.
عن قتادة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "التثبُّت من الله, والعجلة من الشيطان".
وحتى لا نقع بما نحذر منه...ورغم توارد الأنباء والأخبار وما تناقلته وسائل الإعلام والفضائيات...نقول: إن كان هذا الخبر صحيحا...إن كان صحيحا...فيحق لنا أن نتناوله ونحذر مما ورد فيه لأسباب عدة:
أهمها وأولها: أن هذا القول يطعننا لا في أجسادنا وإنما في كرامتنا...وكرامة وطننا...التي دفعتنا -وقبل كل شيء-للنهوض بحراكنا السياسي السلمي، والمطالبة بالإصلاح من الفساد الذي طال كل مفاصل الدولة الأردنية؛ سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا، أمنيا ودفاعيا.
وثانيها: أن سمو الأمير شخصية عامة، هامة وجليلة، لكل كلمة تصدر منه أهميتها وتأثيرها (على نظرية: كلام الأمير أمير الكلام).
وهنا ليسمح لي سمو الأمير أن نطرح عليه سؤالا واحدا أهم من كل ما سبق...كيف بك إن حاججناك أمام الله بهذه المظلمة وذكّرناك بهذه الآية؟!
كل هذه الأسئلة والخواطر جالت في ذهني ونحن في مسيرة من أجل الوطن يوم الجمعة 30/11/2012...وصلنا مبكرا...كانت شوارع جبل الحسين شبه خالية إلاّ من رجال الأمن...رجال أوفياء...واجبهم الأساسي والرئيسي حماية الوطن والشعب من العابثين والفاسدين...إلا أن النظام أحيانا يجيشهم ضدنا...يوهمهم أن الحراكيين يعملون ضد الوطن...تصدر إليهم أوامر...كانوا يصدقون هذه الأوهام...وبعضهم لا زال يصدقها...وأصدقك القول يا سمو الأمير بدأوا يشكّون في فزّاعات النظام التي يطلقها ضدنا...وغالبيتهم يتعاطفون معنا...هم أبناؤنا...إخواننا...أبناء عشائرنا وأريافنا ومخيماتنا...أبناء هذا الوطن...همنا هو همهم...وحالنا هو حالهم...أصلحنا الله جميعا.
بالإضافة لرجال الأمن كان هناك بعض اليافطات والمُعَدَّة مسبقا...ضد المسيرة...كلماتها قاسية...كُتِبت باسم أهالي وتجار جبل الحسين وهم منها براء...كُتِبت عنهم بالإنابة...اليوم كثير من الأشياء بالإنابة...الحرب بالإنابة...حماية حدود إسرائيل بالإنابة...بيع الأوطان والمؤسسات الوطنية بالإنابة...الخ
كنت أسير أنا وصديق لي اسمه أبو أسامة، يُدَرِّس اللغة العربية في الجامعة...يلومني أحيانا على أخطائي اللغوية...ما أجمل المشاركة بالمسيرة...تُنسي الماديات...وتتسامى النفوس بالقيم والأخلاقيات...ليس في أذهاننا إلاّ صورة الأردن...تكاثر الناس وصلينا الجمعة في الشارع...استمعنا إلى خطبة تضمنت الكثير من المواعظ...وكان خطيبنا الشيخ سالم الفلاحات...كان متعطِّشا للحديث حول الإصلاح...ما أروعها من خطبة...ركز فيها الشيخ على أمرين هامين:
الأول: العدل أساس الملك.
الثاني: الظلم عاقبته وخيمة.
وضمّنها الكثير من المواقف والعبر السياسية والاستراتيجية...والتي لا غنى لأيّ قائد عن فهمها وإدراكها...ذكر فيها مقولة بليغة عن أحد الحكماء ينصح أحد الخلفاء (احذر صولة الكريم إذا جاع...وصولة اللئيم إذا شبع)...الأردنيون على قلة حالهم معظمهم كرماء...وقلة هم اللُّؤَمَاء...
وبعد الصلاة بدأت الألوف تتوافد من كل اتجاه حتى ضاق بهم المكان...إلاّ أن الوطن واسع...وفيه مكان للجميع...في الحقيقة تحتاج إلى موازنة دولة أغنى من الأردن لتعطي كلا منهم مائتي دينار...لا أظن الأمر ممكنا إلاّ إذا اعتمدنا إحصاءات الإعلام الرسمي...
هتافات كثيرة...حول الأسعار...حول اتفاقية وادي عربة...هذه الاتفاقية اللعينة...قبلها كان مَن يتصل بالصهاينة...يُسَمَّى في قانوننا وعرفنا جاسوسا...كم يكون الإنسان رديئا إذا وُصِف بأنه جاسوس؟...مسبّة قاسية...بالمناسبة أذكر بأنه أُعْدِم ضابط برتبة (م1 طيار) بسبب علاقته مع إسرائيل...لو تأخر تنفيذ الإعدام عدة أشهر لما كان هناك سبب رسمي لإعدامه...إلاّ أنه يبقى بمعايير العرف والأخلاق جاسوسا مجرما...وإذا ما عدنا إلى قانون ما قبل هذه الاتفاقية فَكُثُرٌ هم اليوم مَنْ يستحقون المحاسبة...وقد يكون الإعدام جزاؤهم...هذه الاتفاقية الرديئة رُوِّج لها (ادّعاءا) بكثير من الفوائد...إلاّ أنها بنظرنا نحن الإصلاحيون...بضاعة فاسدة وتاجرها بَجْس...نحن ضدها حتى لو قالوا عنها مصلحة وطنية عليا...نحن ضد هذه المصلحة...هذه الاتفاقية تحاول أن تجردنا من عقيدتنا...من قوميتنا...من وطنيتنا...من إنسانيتنا وأخلاقنا وهمتنا ونخوتنا تجاه إخوتنا ومقدساتنا...عدة معايير كان يمكن أن تمنع النظام الأردني من عقد هذه الاتفاقية:
المعيار السياسي...المعيار العقائدي...المعيار الاجتماعي...المعيار الأمني والدفاعي...والأهم المعيار المبدأي والأخلاقي...
سياسيا...(الضفة كانت جزءا من الأردن)...وعقائديا...(أرض مقدسة سكانها مسلمون)...اجتماعيا...(أهلها إخوتنا وهم أردنيون)...أمنيا ودفاعيا...(هذه الاتفاقية معيبة وتخجلنا...وتطعن مؤسساتنا الدفاعية في الظهر...وتشعرنا أننا نقبل الدنية في ديننا وفي وطننا...فنحن واللهِ على استعداد لفداء وطننا بدمائنا وأرواحنا...معظم الشعب الأردني يخجل من هذه الاتفاقية...ويجد واجبا عليه أن يرفع كلفة الاحتلال الإسرائيلي (ماديا وبشريا) بدل أن نسهل عليه استمرار الاحتلال ونحمي كيانه المصطنع.
هتافات أخرى تطالب بإلغاء الانتخابات...لأنها بُنِيت على قانون لا يعبر عن طموحات الأردنيين...وكان سببا في تفتيت الوحدة الوطنية...وسيستمر في تفتيتها أكثر...أنا سمعت رئيس الوزراء الحالي يقول ذلك...وأضاف أن بعض النواب صوتوا لصالح تمرير هذا القانون بعكس قناعاتهم...وبعكس ما تمليه عليهم ضمائرهم (إذن القانون مزوّر...وسيزور إرادة الأردنيين)...كل ذلك حصل كما قال رئيس الوزراء على الهاتف...إذن هو تطوّر تكنولوجي أردني...تغيير الضمير على الهاتف...بدون جراحة مطولة...فقط على الهاتف...عملية لا تُفْقَد فيها دماء...لكن يُفْقِد فيها كثير من الحياء...وكثير من الأخلاق...الشعب الأردني يرفض هذه التكنولوجيا...أنا ضميري قديم...يتعبني جدا...إلاّ أنني لا أريد تغييره...أنا أرفض هذا القانون الذي زوّر إرادة الأردنيين...تزوير الإرادة صنو الاحتلال...أنا أكره التزوير كما أكره الاحتلال...
رغم انتهاء المسيرة وكل ما حصل وقيل فيها إلاّ أن الشيء الأهم والذي ارّقني وأهمّني ليس فقط ما قاله سمكو الأمير...وإنما المكان والمناسبة التي قال بها ذلك...فعندما قرأت الخبر كنت منشغلا بما قاله سمو الأمير...وشرد ذهني...إلاّ أن حديث زوجتي أعاد إليّ حضوري وهي تقول: أكمل قراءة الخبر...فقلت لها: ما عاد يهمني شيء...فعادت تقول وبكل إصرار: اقرأ بقية الخبر...فقرأت...وهنا ورغم رباطة جأشي كدت أفقد صوابي...عندما علمت أن سمو الأمير قال هذا الكلام في حفل حضره في لندن...حفل جمع التبرعات للجالية اليهودية في بريطانيا...وبحضور السفير الإسرائيلي (دانيال تاوب).
وهنا عادت أسئلة كثيرة تطرح نفسها وتتسابق إلى ذهني...هل حضور سمو الأمير لهذا الحفل بدعوى رسمية؟...أم أن حضوره كان مصادفة؟! ولماذا تَكَلّف سمو الأمير عناء السفر ووطنه بحاجة إليه في هذه الظروف؟! وهل كان سمو الأمير راعيا للحفل؟!...أم أنه أحد الحضور؟!...هل تبرع سمو الأمير؟!...وإذا تبرع فما هو المبلغ الذي تبرع به؟!...لا أظن أنه مائتي دينار...المبلغ قليل على مثل هذه المناسبة!!!
وهنا وقفت عند نقطة مفصلية...وهي صحة ومصداقية الخبر...فمعرفتي بسمو الأمير تدفعني إلى عدم تصديق الخبر...وجزمت بعدم التصديق...وقلت: كلام جرايد وفضائيات...إلاّ أن أحد الزملاء أراني نسخة من جريدة أجنبية نقلت الخبر...هنا أصبحت الحقيقة أكبر من قناعاتي وتمنياتي بتكذيب الخبر...
تمنيت يا سمو الأمير أنك دعوت إلى حفل لجمع التبرعات لغزة...غزة المنكوبة...غزة المحاصرة...نعم...مساعدات من أجل غزة...في منتصف هذا العام جمعنا لها تبرعات من كثيرين؛ أجانب وعرب...وأردنيين...وزرنا غزة...البعض تيمنا يسميها العزة...لأنها وقفت وهي جريحة ومحاصرة في وجه الجبروت الإسرائيلي...هي غزة هاشم ذاتها...آه لو نهض هاشم من قبره...ووجدها محاصرة...مظلومة...نظم عربية تتشارك بحصارها...ونظم أخرى تنصّلت من كل واجباتها العقائدية والقومية...وتنصّلت من نخوتها ومشاعرها تجاه غزة وأهلها...مشاغلهم كثيرة...سفر...بيع مؤسسات وطنية...بيع أوطان...كل ذلك وغيره الكثير أنساهم التزامهم وأنساهم فلسطين كلها...ألم يقدم النظام العربي مبادرة يعترف من خلالها بإسرائيل ويتنازل عن كل المدن الفلسطينية...عكا...حيفا...اللد...الجليل...الخ؟...تلحقها غزة ما فيه مشكلة...لو أدرك هاشم هذا الأمر ماذا عساه أن يفعل أو يقول؟!...أعتقد أنه سيسارع للعودة إلى قبره...هذا أفضل...
غزة مساحتها قليلة...سكانها قلة...ينطقون العربية...ويدينون بالإسلام...النظام العالمي يسميهم إرهابيين...النظام العربي لا يستنكر ذلك...هم يدعمون تأسيس دولة فلسطينية على حدود 1967...إلاّ أنهم لا يعترفون بإسرائيل...يرفضون ذلك...لذلك قامت عليهم الدنيا وما قعدت...يعتبرون كل المدن الفلسطينية محتلة وكل التراب الفلسطيني محتل ويجب استعادته...وهم يقولون ذلك...يرفضون التوطين في كل الوطن العربي وبشكل خاص الأردن...ويؤكدون على العودة ويعملون لذلك...وهم يقولون: أنهم ليسوا إرهابيين بل وطنيين ومجاهدين...زرناهم في بيوتهم...زرنا بيت قائدهم (هنية)...منزله عادي...هو أيضا رجل عادي...هو لا يخاف على نفسه...يعتبر نفسه بحق مشروع شهيد...منزله يقع في المخيم...جيرانه نازحون...كلهم سواسية...لا فوارق طبقية بينهم...رغم الظروف التي يعيشونها لا تجد في غزة متسولا واحدا...يمكن لأنّ اسمها العزة...أو لتساوي الحياة والموت عندهم...أحببناهم وأحبونا...ليتنا نكرر زيارة غزة...ليتنا نساهم بالدفاع عن غزة...غزة هذه كبُرت بكبرياء أبناءها...تسامت على جراحها ومصائبها...نهضت وارتفعت كجناحي طائر لتنتشل الأمة من قاع الوادي إلى القمة الشاهقة...تستنهض الأمة...لا...بل الأنظمة من سباتها...غزة بعزتها وصمودها آية من آيات الله لم تكتب في قرآنه...إلاّ أنها كُتِبَت على صفحات الكون...لتبقى شاهدا على تخاذل الأنظمة العربية...ونبراسا يعبر عن قدرة الشعوب على البذل والعطاء...غزة لا زالت تنطق العربية...وتدين بالإسلام...ولم تخلع ثوب العزة...
نحن يا سمو الأمير...لسنا سماسرة...ولا تجار أوطان...ولا نستبيح الأموال العامة وأرض الخزينة...ولا نرتبط بعلاقات مع سفارات أجنبية...نحن وطنيون {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}...حراكنا سلمي...لا نحمل سكين غدر ولا مسدس خيانة...دافعنا للحراك ليس ترفا سياسيا أو ماليا أو مطلبا لجاه أو منصب...وإنما كان لحقيقة ملأت علينا كياننا وأحاسيسنا ومشاعرنا...وهي أن الأردن يتعرض لأخطار تهدد بنيته...وهي أخطار مزدوجة...
خطر داخلي (الفساد)...وخطر خارجي (المشروع الصهيوني)...
وهذان الخطران يسيران بشكل متوازٍ وكل منهما يسند الآخر...فما كان للفساد أن يستشري في الوطن لولا المشروع الصهيوني...وما كان للمشروع الصهيوني أن يحقق ما حقق من نجاحات لولا الفساد الداخلي...فهذا الوطن(شرقي النهر) مختل...وذاك الوطن (غربي النهر) محتل...والاحتلال الإسرائيلي لوطننا أصبح أرخص احتلال في التاريخ...بسبب مشاركة النظام العربي في حماية حدوده واستنكاره للمقاومة...بالإضافة لكل ذلك فإن سيادة الدولة الأردنية أصبحت منقوصة وقرارها السيادي مرتهن لقوى ومشاريع أجنبية، ومديونيتها تجاوزت كل الحدود...وما كل ذلك إلا بسبب فساد النظام...
لذلك كتبنا...وخاطبنا وأشعرنا كل المسؤولين بخطورة الموقف...إلاّ أنه لا حياة لمن تنادي...ولم تُجَب دعوتنا...لذلك بدأنا بالمهرجانات والمسيرات والاعتصامات...لعلها توضح ما نرنو إليه...في البداية كانت لا مبالاة النظام واضحة وكان يستهزيء بنا...ولكن عند مشاهدة حجم حراكنا وتطوره المتسارع وجديتنا في الاستمرار بدأ النظام بالاهتمام...إلاّ أنه وللأسف لم يكن اهتمام النظام متوجها للإصلاح ومحاربة الفساد...وإنما كان اهتمامه بمواجهتنا...بمواجهة الحراكيين، فكان ذلك بدافع من الفاسدين أصحاب المصالح...نحن ندرك أنهم يعيشون في بحر اسمه الفساد...فهم كالسمك يموت إذا أُخرج من الماء...وهم يموتون إذا أُخرجوا من بحر الفساد إلى فضاء الإصلاح.
لذلك واجهونا بشتى الوسائل...وبدأوا بإطلاق الفزّاعات(الكاذبة) ضدنا...أهمها...فزّاعة تقويض النظام...فزّاعة فلسطيني أردني...الوطن البديل...الأجندة الخارجية...بالمناسبة البعض لا يعرف معنى أجندة...هل هي الجنادات التي يرتديها الفرسان لحمل سلاحهم وذخيرتهم؟...أم هي التي تُحزم بها الخيل لتُثَبَّت عليها المعارق؟...لم تبق خيل وغادرتنا روح الفروسية...قلة هم الذين يعرفون دلالاتها السياسية...أنا عرفتها متأخرا...وبعد فشل النظام في مشروع الفزّاعات...بدأ بالتجييش ضدنا...وكانت هنالك عدة مواقع...منها:
موقعة ساحة النخيل...وفي ساحة النخيل وبالقرب منها انبرى لنا سفهاء النظام(الزعران) بوسائل مختلفة...كان أشهر أسلحتهم وأشدها فتكا (المنقل)...وكان أبو منقل كبير الزعران...هؤلاء الزعران والسفهاء...كانوا بشرا...لكنهم بلا ضمائر...لا أعني ضمائر اللغة...إنما قلوبهم خالية من الضمائر...
موقعة أخرى كانت في سلحوب...ليتك كنت معنا يا سمو الأمير (بدون أذى) لرأيت الظلم مجسَّدا...كنا نخاطب عقل النظام بالمنطق...إلاّ أنه لم يكن يدرك...شَاهَدَنَا وسَمِعَنَا سفهاء القوم...هم قلة يا سمو الأمير...ولكنهم والحق يقال آذونا...هشموا حافلاتنا وجرحونا في أجسادنا...لكن جرح الضمير كان أوجع وأبشع وداميا أكثر...لم نكن قلة ولكننا رفعنا سلمية الحراك وأبينا على أنفسنا معاركة السفهاء...تركنا المكان بعد أن كدنا نُكْمِل مهرجاننا...وكانت بنا حسرة...حسرة من ظلم ذوي القربى...كان أحد أهم أسباب التصدي للحراك في هذه الموقعة (سلحوب) لأنها أُقيمت في ساحات إحدى العشائر...أراد النظام أن تبقى العشيرة متصحرة سياسيا...وفزّاعة لإخافة النشطاء السياسيين...لكنها أصبحت -والحمد لله- منبرا للنشاط السياسي...وأخذت موقعها الحقيقي لأداء دورها في الدفاع عن مقدّرات الوطن...موقعة سلحوب ضد الحراك شارك في إدارتها والتخطيط لها وتنفيذها أحد الجنرالات المتقاعدين...والذي كان وزيرا أيضا...وثم أصبح...شارك في إدارتها لمواجهة من كانوا يطالبون بحماية الوطن...شارك الكثير من النشطاء من أبناء هذه العشيرة الطيبة...هذا الجنرال أنا أعرفه...كان رجلا طيبا...إلاّ أنه تغير...على أية حال الرجال مواقف...لا أعرف السبب...لا أظن أنه قبض مائتي دينار...فإنها لا تكفي للمشاركة في هذه العملية...أنا لا أريد أن أكون جنرالا ولا وزيرا من هذا الطراز...لا أريد أن أغدر بأبناء وطني حتى لو اختلفوا معي في الرأي...أريد فقط أن أواجه أعداء الوطن...الفاسدين في الداخل والمتربصين في الخارج...
موقعة ثالثة...كانت موقعة المفرق...وبعد موافقة مسؤولي النظام على المسيرة...وأوهموهم بأنهم سيكونون تحت حماية أجهزة الأمن...أوقعوهم في خديعة...أطلقوا عليهم الزعران(زعران النظام) وحُماة الفاسدين...بحجة أن أهالي المفرق وعشائرها لا يريدون هذه المسيرات ويرفضونها...وكأنّ المفرق دولة أخرى...فيها نظام آخر يختلف عن النظام في عمان والكرك...الخ...هؤلاء الزعران أصبحوا أصحاب خبرة...استطاعوا إفشال المسيرة في بدايتها...أصابوا وأدموا الكثير من المشاركين...إلاّ أن المصيبة الكبرى أنهم فقأوا عين الدكتور عماد أبو الرُّب (دكتوراه إشراف تربوي ومناهج)...لا أدري هل هي اليمنى أو اليسرى...المصيبة كانت أكبر من أن ندقق...ليتك يا سمو الأمير تزوره أو تستدعيه...لترى (وأنت تعرف) من هم رجال الأردن المخلصون...لا يستجدون المال ولا المناصب...(الرجل احتسب عينه وأجره على الله)...وأرجو أن يكون مآله عند الله عظيم...المصيبة أن فعلتهم هذه كانت في المسجد...أليس لبيت الله حرمة؟...نحن نلوم حتى الصهاينة الأشرار عندما يقترفون إثما أينما كان...إلاّ أن نظامنا وللأسف لا يرى في ذلك حرمة...أحدهم كان من أشرار هذه الموقعة...قال لي...متفاخرا: حشرناهم في مصلى النسوان!!!...الدكتور خرج ليقول: (نحمي الوطن من الفاسدين)...وخرج مسالما...أيستحق أن تُفْقأ عينه؟!...أم أنه استلم الأجرة مائتي دينار سلفا؟!...ماذا لو فُقِئت كلتا عينيه هل سيضاعف المبلغ...؟؟!!
الموقعة...الموقعة...مواقع كثيرة...
الموقعة الرابعة كانت على ساحة الدوار الرابع...لم تكن هناك حجارة ولا مناقل...الموقع لم يكن شعبيا...كان نظيفا...أربع نجوم...كان المتحدث الإصلاحي يدعو إلى الإصلاح ويقول قال الله وقال رسوله...إلاّ أن الزعران وسفهاء النظام لم تمنعهم نظافة ورقيّ المكان...ولا رقيّ المسيرة من الحضور...ولأنّ المكان كان نظيفا...كانت أسلحتهم هذه المرة...الشتائم...أوسعونا شتما...أقذع الشتائم...ولما لم تجد الشتائم (على هبوط مستواها) نفعا...بادر النظام باعتقال بعض النشطاء...لم تكن جريمتنا بنظرهم صغيرة...لم تكن جريمتنا مصافحة صهيوني...أو خصخصة (لصلصة) إحدى المؤسسات الإنتاجية الوطنية... ولا نهب مال عام أو قطعة أرض من أراضي الخزينة...أو لعبة مقامرة في ملاهي الغرب...أو ترخيص بناء كازينو على الأرض التي بارك الله فيها وحولها...فكل ذلك يهون بجانب ما اقترفناه...جريمتنا أن نقول أوقفوا الفساد...أوقفوا منهجية النظام الفاسدة...سنحمي الأردن من الفاسدين...الشعب يجب أن يكون مصدر السلطات...هذه جريمة ما بعدها جريمة...
سمو الأمير حفظه الله:
يقول الله سبحانه: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
والله لن تنفعنا لا في الدنيا ولا في الآخرة إلاّ ولاية الله والذين آمنوا، والأمن الشامل مصدره الإيمان، يقول الله سبحانه: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}.
ونهيب بسمو أميرنا -الذي عرَفْنا وأحببنا- أن ينتخي لوطنه وشعبه، وأن يكون موقفه كما كان دائما مع الحق، فالحق أحق أن يُتَّبَع، فكلمتك مسموعة، وقولك يُصْغى له، ولا زال للحق والرشد موقع ومتَّسع...ما عاد الصمت يجدي ولا الحياد ينفع...الفساد عمَّ وانتشر بما كسبت أيدينا...(وكأننا في عصر الرويبضة) غلت علينا نفوسنا ومصالحنا الخاصة، وهان الوطن في عيوننا...الأموال تُنْهَب...والحقوق والحرمات تُسْتَباح...والعدو يحتل المقدسات ولا زال يتربص بنا...ونحن في لهو...يخون بعضنا بعضا...ويتهم بعضنا بعضا...والأحرار يُقادون إلى المعتقلات والسجون...ما هكذا تُساس الدول والشعوب...ولكم يا سمو الأمير في الأمور بصيرة...ولنا في التاريخ عبرة...ولِمَا دار ويدور حولنا نظرة...والحكيم من اتّعظ بغيره...والشقيّ كل الشقاوة من اتّعظ بنفسه...وأهل الحل والعقد أمثالكم يبرز دورهم في الأزمات والشدائد...وهذا الشعب لن تكون صائلته على نفسه...ولن ينكفيء على ذاته...جعل الله لنا من هذا المأزق مخرجا، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}.
النظام يخيرنا بين الرضا بالواقع الفاسد...أو الانتقال بالأوضاع إلى التدمير والقتل والخراب...كما في البلدان المجاورة...وينسى أن هناك طريقا ثالثا وهو الإصلاح...والأدهى والأمر أنه ونحن الذين نُحَذِّره يتهمنا(باطلا) بجرِّ البلد إلى القتل والدمار.
تهمة نحن منها أبرياء...وما نريد إلاّ تحقيق الإصلاح ومحاربة المفسدين وحماية سفينة الوطن بأقل الكلف والجهود دون أن تُراق قطرة دم...فهي الأغلى والأزكى عند الله ثم عندنا...ولنستغفر الله جميعا ولنجدد إيماننا...فكلنا خطّائين وخير الخطّائين التوابون...امتثالا لقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}...والأردنيون...جلُّ الأردنيين طيبون، قلوبهم لا تعرف الكره...ونفوسهم لا تحمل الحقد...وصدورهم لا تمتليء بالضغينة...إلاّ على عدوهم...يريدون أن يكونوا أحرارا...فالأوطان لا يحميها العبيد وإنما يحميها الأحرار...
أما مطالب الحراك الشعبي فهي سهلة ويمكن تحقيقها قبل فوات الأوان...منها:
· إجراء تعديلات دستورية تنتقل بالدولة من الملكية المطلقة إلى الملكية الدستورية...ليكون الملك رأسا للدولة لا رئيسا للسلطات، وأن ينأى بنفسه عن ممارسة الشأن التنفيذي...لأن الدستور الحالي (وبما يمنح الملك من صلاحيات ويحميه من المساءلة) يساوي جملة واحدة؛ وهي أن الملك يفعل ما يحلو له...ويبطل كليا مبدأ (تلازم السلطة والمساءلة) ويلغي مبدأ (الشعب مصدر السلطات).
· التوافق على حكومة إنقاذ وطني...أو جمعية تأسيسية تُشرف على إعادة صياغة الدستور ووضع قوانين أحزاب وقوانين انتخاب عصرية متطورة ترضي طموح الأردنيين.
· مجلس أمة منتخب بشقيه (الأعيان والنواب) وسيّدا لنفسه.
· التوصل لحكومة برلمانية ذات ولاية عامة، وزراؤها رجال دولة وليس موظفين.
· الفصل بين السلطات والتأكيد على استقلال القضاء...وتلازم السلطة والمحاسبة.
· إلغاء اتّفاقية وادي عربة.
· محاسبة الفاسدين واستعادة أموال الدولة المنهوبة وأراضي الخزينة.
هذا ما يريده الشعب من خلال طبائع البشر في العدل والمساواة...لا ما يريده النظام من خلال طبائع الظلم والاستبداد.
عاش الأردن عزيزا مصانا
ووفقنا الله جميعا لما يحب ويرضى
حفظ الله سمو الأمير
واقبلوا احترامي وتقديري
6/12/2012م
اللواء المتقاعد
موسى الحديد
No comments:
Post a Comment