Saturday, 3 March 2012

احسان الفقيه
الى المدعو زيد بن الحسين..
س هل هؤلاء القوم الذين وصفتهم بالوقحين –غير الواعين- أُناسك الذين خرجت من صُلبهم..؟ ام أنت سليل النجوم وحملتك أُمّك في مدينة القمر و تلّقيت علومك الأولى حول التطاول على أهل الأرض في جُزر يغتسل سكّانها بماء الذهب..؟
اليوم كالأمس والسياسة كثيرة العجائب وآفاتها أشدّ فتكا بعقلانيتنا على التعاطي من أخبار الحروب ووقائعها وتُجّارها وضحاياها .. فمن أنت ..؟ أكرر بقذّافية التساؤل .. أنت الذي يجب أن يُسأل.. عن ماهيّته..لا نحن؟
ولم لا نعترف بحقيقة ما نحن عليه ..؟! فنحن فعلا جُهلاء.. وبالنسبة الى مجموع معارفك ياهذا نحن لا ننتمي لزمن كهذا.. وبلا شك نحن عبء ثقيل على مكانٍ أنت أحد أشرافه المُبجّلين ومُتحدّثيه البارزين..
سأُخبرك أمرا ولتفرح كثيرا لاعترافي بانحداري من قرية فقيرة بائسة لا يدري عن أمر بؤسها أحد.. وهي حالة أغلب سُكّان هذه المملكة التي لم تكن أرضا جرداء قبل بلوغ كولومبوسك الأول مضاربها كما تدّعي ويدّعي تلاميذ مدرستك النُجباء ومريدوك الفاضلون..
زمان .. زمان أي عندما كنت طفلة .. كنت أشعر بقشعريرة لا تصيب الا أولئك البسطاء أمثالي فقط .. تتمثّل بحالة ارتعاش واضحة يتبعها نشاف في الحلق حين كنت ألمح سيارة أحد الذين يصافحون ملك بلدي او يرون بسمته او فارسة قصره او نوّارته ولو مرّة في العام..
فنحن ياكبير المقام .. لم نتشرّف بمرافقة الملوك ولا ندّعي أنهم لنا أقرباء أو وأبناء عمومة او أنسباء.. ولم ننل حظّا وافرا من العلم بأمور الإتيكيت والطاقة والبرمجة اللغوية العصبية ولا نُجيد التعامل مع العامّة –بروتوكوليّا- ولا يصافحُني الرجال من أبناء عشيرتي ولا يُقبّلون الا أكًفّ الجدّات والخالات والأُمّهات المُتّشحات بالهيبة والحشمة والوقار..
ذات غيبوبة – خاصّة بالعامّة المخدوعين - كنت حائرة كيف أكافئ ملك بلدي.. وكان العمل كخادمة او مُربية او طبّاخة في قصر الملك حُلما عظيما يُداعب خيال ابنة قوم موالين الى أقصى درجة الموالاة وكنت لا أرتجي من الله الا نظرة راضية باسمة من عيون من عشقناه وأحببناه وبكيناه وأقصينا من مجموعتنا كل من يحاول التشكيك بنزاهته وإنسانيته ومواقفه الكبرى التي تم تبهيرها وتمليحها في مناهجنا ضمن قوالب درامية كانت تدعو لبكاء أحد أعظم قادة التاريخ الحديث..
كان ذلك قبل بلوغي العاشرة .. وياليتني ما ولجت الحادية عشر وما عرفت عن حقيقة الأمر أمرا ولا قرأت من الأسرار سرّا..
على كل حال .. لنتحدّث عن السفر قليلا .. ولأني لا أُجيد القفز في الواقع ، فاسمح لي أن أقفز من نقطة الى أخرى كما يحلو لي ولا تنتقد تشتتي وفوضاي كما فعلت حين خاطبت بني قومي بالشرذمة المظللين الباحثين في أروقة رأسك عن فوضى، لأن حالة من الضحك تسيطر عليّ الآن وأنا أكتب لك بانتعاش.. وسلامة رأسك من الصداع ..!!
لم أحظى بزيارة أوروبا الا بعد بلوغي الثلاثين ورغم أني تجوّلت في مناكبها بسخاء الا أنني كنت أقتصد في نفقاتي وأختصر كثيرا في مُشترياتي وكنت أكتفي أحيانا بتناول شطائر الجبنة ورقائق البطاطا والبسكويت المُملّح وعصير التفاح مع أني أحبّ جميع المأكولات البحرية عدا الكافيار الذي لا تستسيغه شعبيّتي أبدا ..
المتاحف والمسارح والمكتبات كانت دائما وجهتي ورموز تلك البلاد والعواصم وآثارها وأنهارها والأساطير التي حيكت حول العديد من مُدنها وقراها وبيوت عظمائها الخالدين هي أكثر ماكان يعنيني كعربية تبحث عن الحرية بمنطقية ابنة قبيلة مُحافظة.. فماذا عنك أنت ..؟
على نفقة من عشت في عاصمة الضباب ومن ذا الذي أقصاك عن الأردن زمنا ولماذا فعل..؟ كم تبلغ مُخصصاتك الشهرية ..؟ وكم يكلّفك التدليك في الليلة الواحدة وعن أي شؤون -غاية في الوعي- تتحدّث وأصدقاء نضالك الوطني الجدير بالتكريم.. وعدّد لي ثلاثة أسماء لعظماء كل دولة عشت بها..؟
لا تهُمّني حياتك الخاصّة ولا يحق لي التطرّق او الاشارة اليها ولكنك تطاولت عليّ وعلى بني قومي وبنات عمومتي وعمّمت -عن جهل منك وتعالٍ مريض- ولم تُراعي أننا نحترم ذواتنا كثيرا كثيرا وأننا نُقدّس هذا الجسد الأردني بشحمه ولحمه وأن أي ذُبابة في الأرجاء قد تلوّث آنيتنا؛ نملك القدرة والحقّ في محاولة تأديبها وإبادتها –إن أبت التأدّب- وسحقها إن تمادت في الإيذاء..
ويبدو أنّك لم تُجرّب أن تكون طرفا في معركة أنت فيها الخاسر الوحيد المُحتّم.. فهنيئا لك نخب الهزيمة منذ أمس.. ولتكن أكثر ذكاء في المرة القادمة فلم تكن موفّقا في ضربتك ولتتخيّر لك مضربا من خشب البلوط في المرة القادمة فهو صارم كأبناء هذه الأرض تماما.
ينقصنا الوعي ؟ أحيانا .. وقد لانملك مهاراتك في الكذب وفي الغرور وفي التبجّح وفي الفشل.. بلا شك..
وقد لا يُتقن أكثرنا تناول وجبته بالشوكة والسكين ولا يجيد غالبية أكاديميينا وأكثرهم عُمقا وإنسانية وأخلاقا كيف يراقصون حبيباتهم على ضوء الشموع بعد عشاء فاخر.. مثلما هو حال أشدّ أطبائنا احترافا وأعظم عباقرتنا في اللغة والسياسة والقانون والأدب
والفقه والدين وما تيسّر من علوم الأرض ومعارفها وكُلّهم منّا..
فمن أنت من بين كل هؤلاء..؟ وماذا قدّمت للأردن وللأردنيين ..؟ أولئك الذين ستغرب عنهم الشمس يوما في موكب مُدهش وجميل في وداعها الأخير.. وسيعودون الى بطون قراهم وبواديهم بسلام النفوس المُطمئنّة بعد أن كانوا بحجم الرسالة وبعد أن أدّوا الأمانة وقضوا أنقياء طيبين كما خلقوا ..
بالمناسبة أنا ابنة قرية وتجيد السالسا مثلما تُجيد طبخ المنسف ولفّ الدوالي وإعداد الأطباق الإيطالية ، وبالمناسبة أيضا أعرف كيف أدوس على قدم شريكي في الرقص إن تجاوزت أصابعه حدود الرقص فأنا ابنة الجبال الشامخات ولا أمنح عطري للمُدّعين..
والدي كهربائيٌّ من إربد لفحته شمس الجزيرة العربية لنكبر بعيدا عن بوّابات القصور.. وجدّي كان فلاّحا عزيز النفس طويل القامة نزقا طيّبا سريع الرضا حريصا على الصلح ومصلحة الجميع.. وورثت عن جدّتي عُرجتها وثوبا مُطرّزا بالتعب والحكايات.. فماذا عنك أنت...ومانوع القصص التي كانت تُروى لك قبل النوم ..؟
نعم نحن في مقاييس أمثالك جُهلاء فأجمل رجالنا وأكثرهم وسامة قد لايعرفون عن علم الكواكب والأبراج شيئا ولكنهم أذكياء أن أبحروا ، بارعين إن قرّروا .. صارمين إن بدأوا.. يعرفون أُمّهات الكتب وتعرفهم أكشاك الكتب المُستعملة وأقسام الإعارة بالمكتبات العامّة ويحفظون أسماء المؤلفين الكبار والعظماء الكبار مثلما يعرفون أنهم هم الخالدون.. والباقون .. وهم ملح الأرض ونرجسها..
المُعلّمون المُخلصون ، الممرضات الصابرات ، العُمّال والرعيان والحمّالون وبائعو الخضار والأطبّاء والمهندسون والأكاديميون ..
الفلاحون المُتعبون وزوجاتهم الرائعات طاحنات القمح عاجنات الخبز صانعات الجبن غازلات الصوف.. أين أنت من كل هؤلاء..؟
هل هذه الأرض أرضك ..؟
ماذا تعرف عن وادي الريّان وعن قرية رحمة او بلدة عي..؟ وهل التقيت أحدا من أهل الريشة يوما او كفر الماء..؟
هل تعرف عن هذه الأرض أكثر مما يعرفه مُستشرق هاوية.. او ثريّ هنديّ جاءنا زائرا فعشق أهل خيمة في وادي رم..؟
وهل هؤلاء القوم الذين وصفتهم بالوقحين –غير الواعين- أُناسك الذين خرجت من صُلبهم..؟ ام أنت سليل النجوم وحملتك أُمّك في مدينة القمر و تلّقيت علومك الأولى حول التطاول على أهل الأرض في جُزر يغتسل سكّانها بماء الذهب..؟
اليوم كالأمس والسياسة كثيرة العجائب وآفاتها أشدّ فتكا بعقلانيتنا على التعاطي من أخبار الحروب ووقائعها وتُجّارها وضحاياها .. فمن أنت ..؟ أكرر بقذّافية التساؤل .. أنت الذي يجب أن يُسأل.. عن ماهيّته..لا نحن؟
الطاووس حين يفرد ريش ذيله متباهيا بجماله .. تنكشف مؤخرته – بشكل مثير للضحك..
أعرف جيدا أني من قرية لا تُنتج السبائك ولا يعرف معظم أهلها أن في البعيد زجاجات عطر تطعم بثمن الواحدة منها عائلتين ممتدّتين وأن نظّارة شمسية من ماركة "شانيل" بعد التنزيلات قد تشتري بثمنها ثلاثة خرفان وتقيم وليمة لعرس ابنك العسكريّ بثمن معطف واحد من الكشمير الفاخر وكلّها صُنعت في فرنسا وبيعت للصوص العرب..
هذه منطقتي .. ومن يقترب منها فلا يلومنّ الا نفسه ..
فكُلّ الـ(هنا) التي أحب.. هي الـ(هنا) التي لا تُشبهك ولا تعرفك ولم تخرج منها ولا تنتمي اليها..
أعدد أسماء أجدادي كـ(كرج الماء) وأعرف من كان منهم حليق اللحية ومن كان منهم راعيا ومن كان منهم داهية في الصيد ومن كان يحمل بين جنبيه قلبا أخضرا ويعشق حسناوات القرية وأعرف من هرب منهم من الجيش ومن التحق بصفوف الفدائيين وأفخر بكل ما كانوا عليه ..
كما وأعرف أن أمثالك لا يُجيدون الا رمي الرصاص في نوادي الرماية وتمقُتهم ظهور الخيول التي تمّ تدجينها لتقبُّل الأمر الواقع ..
من أبطأ به عمله لم يُسرع به نسبه ولو استخدم بطاريات (دورسيل) فلن يسبق أرنبا أكل من عشب الأرض وشرب من ماء المطر وتزوّد بنسائم الحقول حيث الورد والودّ وأهازيج الفلاّحين الخالدين والرُعاة الأحرار وسُكّان المُدن الصابرين على أمثالك..

No comments:

Post a Comment