Thursday, 15 March 2012

الطفيلة .. رسائل ضلّت الطريق!  
  حسين الرواشدة
3/14/2012 11:34:00 PM
لم تخرج “الطفيلة” عن خط الحراكات السلمية، لكنها في لحظة التقطت راية الحراك واصبحت تقوده بامتياز، الناشطون هناك عبّروا عن ضمير المهمشين الذين يؤيدون الحراكات في قلوبهم وينتظرون ساعة الفرج، واستطاعوا –فعلا- ان يكسبوا تعاطف اخرين ظلوا يراقبون المشهد او يتفرجون عليه.
في تقدير الموقف من جهة المسؤول شكلت الطفيلة مصدرا للقلق، فالشباب الذين يتحركون على الارض هناك هم خارج لعبة الصراع السياسي، والشعارات التي ارتفعت سقوفها قد تتحول الى عناوين سياسية مفزعة، وامتدادات “الطفايلة” في عمان وغيرها تضيف عمقا جديدا للمشهد ومآلاته القادمة، وبالتالي جاء “اطفاء” الحراك بقرار سياسي، وكانت الاعتقالات لبعض الناشطين رسالة واضحة لدفع الاخرين الى الانضباط.
اعتبارات التطمين من جهة الرسمي اعتمدت على افتراضات مختلفة منها قلة عدد الناشطين وضعف امكانياتهم وانحصار “المشكلة” في التهميش والتعويل على الزعامات التقليدية في “استيعاب” ومحاصرة الحراك، لكن لم يخطر في بال هؤلاء –ربما- ان افكارا كثيرة سقطت، وهوامش كانت تراود الناس وتردعهم قد تبددت وان ما نسمعه في الطفيلة ليس اكثر من صدى “لحالة” عامة وجدت من يعبّر عن ضميرها العام بصراحة وبصوت مرتفع هناك، لكن “الصمت” الذي يخيم خارجها لا يعني الرضا والقناعة ابدا وانما يعني الرهان على حلول ما وانتظارها او الموازنة بين خيارات وبدائل لم يأت وقتها بعد.
كان يكفي-بالطبع- كي نفهم ما يحدث في الطفيلة ان نصغي لتلك المرأة الفاضلة التي اعتقل ابنها وهي “تخطب” امام المعتصمين وتحذر من العسف في الاجراءات والمقررات، وكان يكفي –ايضا- ان نقرأ “وصايا” الناشطين هناك لزملائهم بضرورة التزام “السلمية” والحكمة وابراز النموذج الاخلاقي والوطني في كل حراكاتهم لنفهم “طينة” هؤلاء الشباب ومدى حرصهم على بلدهم، لكننا -للاسف- استسهلنا الحل، فتوجهنا الى اسكات هؤلاء بالاعتقال بدل احتضانهم بالحوار والى “ردعهم” والاساءة الى منطلقاتهم بدل الاشادة بهم وحفزهم الى الحفاظ على بلدهم والمساهمة في اصلاحه.
مشكلة اخواننا في الطفيلة انهم لا يعرفون لغة “المجاملة” والنفاق، ولا يرضخون للتهديد، ولا ترعبهم اصوات النخب المرعوبة ومشكلة الدولة معهم انها ابتعدت عنهم طويلا ثم عادت اليهم بوعود لم تنفذها وانياب حادة لمعاقبتهم ومحاولات بائسة لاحتواء “غضبهم” لكن هذا كله لم يعد يجدي في زمن استيقظت فيه الشعوب على حقوقها، وتنفست فيه هواء الحرية والكرامة، المعادلات تغيرت، والناس تغيروا ايضا، والعلاقة بينهم وبين حكوماتهم “الرشيدة” تجاوزت حدود الامتثال والتأييد الى المساءلة والمحاسبة والتفنيد.. وهذا ما لم يدركه كثيرون في بلادنا حتى الآن.
نخطىء حين نرى “الطفيلة” بعين واحدة او ان نتعامل مع ما يحدث فيها بمعزل عما يحدث في البلد او نواجه “عتب” الناس غضبهم هناك بحلول امنية، نخطىء اذا ذهبنا لمعالجة اعراض الحالة بدل معالجة امراضها، واذا اعتمدنا وسائل العقاب والاقصاء والتخويف بدل تمارين “الديمقراطية” الحقيقية التي ترضي وتقنع وتعيد الناس من “الشوارع” الى طاولات الحوار وميادين العمل والبناء.
التهميش الذي تعرضت له “الطفيلة” كان كفيلا بان يحولها الى “ملاذات” للعنف والتطرف لكن الناس هناك تجاوزوا عقدة الفقر والبطالة والتزموا بالحكمة والاعتدال وانحازوا الى منطق الدولة.. وكان من الاجدى ان نتوجه اليهم بالاحترام والشكر وان “نستلهم” منهم الصبر ونرد التحية بأحسن منها ..
لم يفت الوقت لاعادة الاعتبار للطفيلة وتطمين شبابها المخلصين على مستقبلهم واخراج المعتقلين منهم واستقبالهم كأحرار لا متهمين.. ولا مجرمين.
(الدستور)

No comments:

Post a Comment