حين تتبعك هتافاتُ ولا صوت لك ... تذكّر أني مررت من هنا
الأربعاء, 06 حزيران 2012 19:19
حين تتبعك هتافاتٌ ولا صوت لك..
تذكّر أني مررت من هنا
احسان الفقيه
كل شيء أُردنيِّ غدا .. مبالغ فيه ..
البرد بحجم الحر.. والغضب بمقدار العطب.. والخنوع رفيق للجوع.. والتصدّي سيّد للموت وملك للهواجس..
كل شيء على قدرٍ متساوٍ من الخفاء والمكر الدفين والسرية الدهليزية ..
الله .. الوطن .. مجدي الياسين ..رفاقه.. ولي العهد ونصف عقله.. المزرعة السعيدة بغازها وقمحها ..ليمونها ومعادنها..
الملك وشركاؤه في اللعب والتقسيم.. الشواطئ الإنجليزية والفنادق الخاصة بزعماء يسرقون قوت فقرائهم..
ثمّ ماذا ...؟؟
الجواب: ربما نحن الآن..
تلك هي المعادلة الأردنية الأكثر غرابة والأشدّ إرهاقا وإنهاكا وتعذيبا وتمزيقا..
*تدهور الذوق العام بتلك المناظرات الطويلة التي لا تُفضي الى اتّفاق ولا حتى اختلاف... وكما هي طريقة النائب المُبهرج كعربة الترمس والفول.. المُدهش بحسن طلّته وعذوبة صوته الرخيم .. النائب "يحيى سعود" – وطبعا لي أسبابي في عدم إضافة أل التعريف لاسمه الثاني - ومن كلّ جوارحي أتمنى له شفاء عاجلا . وقولوا معي : الحمدلله الذي عافانا ونجّانا من وباءٍ على هيأة طبل أجوف أخرق كهذا..
*إخراس الذكاء النخبوي بتُهمة التحريض على ملكة فقط لأنها من أصول ليست أردنية..
*وُصِفْنا بالحثالة ...وتارة بالزبالين .. وبعدها بقليل غدونا حميرا .. وقبلها قال عنا أحد المسوخ قوم "وقحين".. وتطاول قبله كبيرهم الذي علّمهم السحر بأن "يتوجب تنخيلنا في ساحة النخيل"..
*هناك قبل كل شيء ذوق رفيع قد انهزم...
أعرف أنه .. من غير اللائق أن نُشير بأصابعنا الخمس الى موطن الخلل يكفي الإشارة الى القصر .. بطريقة موسى حجازين الذكية في مسرحية كتبها الرائع احمد حسن الزعبي والتي تعرض حاليا وتجد جمهورا غفيرا مُتعطّشا غاضبا حالما وحزينا..
مادامت السلطة نوع من العادات الحميدة وتُضفي "هالة سحرية" حتى على رأس كلب يسكن دابوق.. عندها لايتوجّب على المرء أن يُبرر .. ماعليه الا أن يأمر وأن يُقرّر فقط..
*لايلجأ المرء للجدل الا عندما لا تكون لديه وسيلة أخرى .. فكيف تُجرّد ذهن خصومك من كل سلاح خاصة تلك المدفعية الموجّهة فوّهاتها الى قلوب العامة الرعاع أمثالنا.. في زمن تحوّل فيه الرفض الى ضغينة والتمرّد الى همجية والمطالب الى إنكار للجميل..
*كمٌّ كبير من التطاول.. الشلل ..العجز.. العفن.. قمصان النوم وأرق أولئك الذين يحلمون وهم يقفون بانتظار باصات النقل العام ..
شعب أسلم نفسه طواعية ودون قيد الى التبلّد والتلبُّد والتمزّق والجحيم.. وما من بلد في الدنيا قد واكب تناقضا سافرا في تركيبته الاجتماعية ورواسبه النفسية وتراكمات طيشه وانسلاخاته المتكررة عنه وعن هويّته عن مسؤوليته وعن قضاياه .. عن رجالاته الحقيقيين وأقزام السلطة فيه وعن صعاليك الحقائب وعلاقتهم بضفادع العوالم الافتراضية .. كما هو الحال في بلدنا هذا..
*إنحطاط ناعم على مستوى ملكيّ وبنكهة أرستقراطية عالية المقام وبمؤسسات تقوم بشؤونها حسناوات مُبهِرات مبهرجات بألوان الفساد المالي والإداري والإنساني كبعض المُزيّفات العاملات في المؤسسة "المسخ" نهر الأردن والتي لا تُشبه الأُردنّ في شيء ولا تنتمي للأُردنّ ولو في صينية قشّ او ثوب صلاة ..
*للوطنية قواعد وللتعبير عن محبّتنا لأوطاننا مطالب كأن تملك مقدارا لابأس به من البراعة والعُمق والنشوة اللامنطقية ..
إن الأمر الأساسي بالنشوة التي تقود الى تحقيق اي عمل فني .. جمالي بارع.. أصيل.. ويشبهنا ..هو ذلك الشعور بتفاقم الطاقة وزخم الإمتلاء..
كل ماتراه على هذه الأرض.. وكل ماتريده وكل ماتسعى إليه.. تطلبه وتشتهيه.. ؛ ستجده مُكتنزا مُحتقنا قوي الحضور في خلاياك.. يشبهك وينبعث من رقادك مُهتاجا عنيفا وجريئا..
*أردنيّتي قضية دموية أكبر من أن أتخلّى عنها لتعب او خوف او ملل او حتى بحثا عن رفاهية من نوع ما .. لا يُعجزني تحقيق شروطه او الوصول اليه..
ولكني لست ممن يتخلّى عن قضاياه ...
فمن للأردنيين سواي وسواك لتحريرهم وتحريضهم وتقويض ممالك الخوف المُستكين في دواخلهم..؟؟
من لأولئك الأردنيين البُسطاء الأشقياء الجميلين الرائعين غيري وغيرك لنُحبّهم كما هم ونتقبّلهم على ماهم عليه من طيبة وتسامح وكبرياء يرتدي أثواب الخنوع ..؟؟!!
من لأولئك الذين يستيقظون باكرا قبل العصافير كي لايسبقهم الى العذاب أحد...؟؟!!
من لي..؟ من لك..؟ ومن سيصمد معي ولأجلي ومن سيسقط قريبا ومن لن يكون في حيرة من أمره إن جاءه فاسق بنبأي ونبأ قوم أكلت ألسنتهم قطّة القرصان..؟؟.
*ما يزعجني حقا أولئك الذين يعتبرون أن نهاية الأردن بسقوط نظامه ...
لن تنتهي بلدنا بسقوط نظام ولن ينتهي شعب بنهاية مرحلة لم تكن بذلك الحسن الذي قد يدعونا للبكاء او الندم ..
*الاردن كان قائما قبل الرصاصة الأولى وقبل التآمر على العثمانيين وقبل التخابر مع امريكا واسرائيل وقبل المشاركة ببيع كل من فلسطين والعراق ..
والأردنيون كجزء من هذا الجسد العربي كانوا موجودين ايضا قبل قدوم هذا النظام وقبل أن تُبنى قصور دير غبار وقبل ان يستوطن أصدقاء الملك في دابوق وقبل أن يدرس نخبة المجتمع الأردني الراقي في هارفارد وأكسفورد وكامبريدج على نفقة قصر يتسوّل أسباب تألُّق نجومه القافزين كالضفادع في حظيرته باسم الشعب الأردني وباسم كرامته ونظرة المانحين المُتبجّحين –في الخليج وسواها- له بدونية وتعالٍ واضحين..
والصاحب على دين خليله فقُل لي من أدخلت قصرك ومن سلّمته حقائبك ومن تحدّث باسمك وعنك لأخبرك من أنت عندي وعند هذا الجيل الذي لم يعُد ولن يموت كما قُدّر لمن سبقوه ان يكونوا او يموتوا..
سيبقى الأردنيون هنا في حقولهم
مضاربهم
مُدنهم
قراهم ومخيماتهم ..
يتأمّلون انفراط الدوائر على مهل ..
يكبرون
ينضجون
يعرفون أكثر
ويمارسون حقّهم الطبيعي كأبناء بلد ...
*قبل ظهور مبدأ او مفهوم الصفحة البيضاء عند هوبز والذي يعتبر العامّة ممن تسحرهم طقوس الدين وتُكبّلهم تلك المُعتقدات التي تجعلهم يتقبّلون أوضاعهم فيؤمنون بلا جدوى الثورات .. التي هي غير مشروعة بالنسبة لهم كقوم لا يملكون .. نظر لوك الى اولئك العمال والفلاحين غير المالكين أيضا على أنهم مجرد غوغاء وغير قادرين على الفعل السياسي العقلاني ..
وهذا مايشار به إلينا وهذا مايصفنا به نخبة المجتمع البرجوازي الأردني الذي وبقدر هشاشته وصفاقة تفاصيله ومفرداته البشرية وعنجهيّتهم في الاستحواذ تحقيقا لمبدأ ان أصل السلطة القوة مع أن قوة القهر وحدها ليست كافية لضمان الأمن الا أن القوة عندهم خداع متبادل.. وهم سياسي كبير .. لكنه ضروري وعلى الجميع اعتناقه وتبادله ..
*الصفوة السياسية حين تضع أفرادها أمام الشعب وتختار نفسها بنفسها
حين يصبح كل منهم وسيلة لبقاء الآخر .. داعما له وحارسا..
حين تنتفي المبادئ المثالية للمساواة والحرية وتطفو على السطح بروتوكولات المنفعة وضرورة اللذة وتحقيق المصلحة الشخصية ..عندها رددوا معي .. أسفي على ما وجدنا عليه كبار قومنا الذين هم في عيون الحقيقة والتاريخ مجرد أقزام وصعاليك ومرتزقة والأنكى من كل ذلك يريدوننا أن نكون مثلهم تماما..
· أخيرا وليس آخرا ..
قرأت عن ذلك الرسام الياباني الذي قضى عدة سنوات وهو لايرسم سوى الأعشاب وعندما سُئل لماذا العشب دائما قال:
يوم رسمتُ العشب فهمت الحقل ويوم فهمتُ الحقل أدركت سرّ العالم..
همنجواي فهم العالم يوم فهم البحر.. وبودلير أدرك المعنى الأعمق للحياة يوم فهم اللعنة والخطيئة..
أما أنا كأُردنية لاتُجيد استجداء رئيس تحرير مُزدحم ومُتعجرف فقد فهمتُ عالمي في اليوم الذي عرفت فيه الطريقة المُثلى التي قد تقودني الى حتفي بحكمة وكرامة وبمنتهى الحبور وبطريقة لن يُدركها أولئك الذين يظنّون أن البحر رحيم بربطات العنق او أن أسماك القرش قد لا تنتخب أجساد النواعم من أشباه الرجال "الديجاتيليين" على العشاء ..
*كلّ على شفا غرق .. وللمركبة ربٌّ يحميها..
No comments:
Post a Comment