علمتني جدتي فنون الطبخ البلديّ..
وعلّمني جدي كيف أعشق بلادي ولو مسّني الجوع وكيف أُخضع رقبتي لولاة الأمر ولو كانوا خائنين .. مُتخمين وبنو قومي يموتون فقرا وذُلّا..
لكني حين كبرت أَجدْتُّ فنونا أخرى خجلت جدتي من مجرد ذكرها..
أمّا جدي فخدعني حين قال لي أنني أنتمي لقوم يتّصفون بالشجاعة مع أنهم يهابون الحاكم ولايُعيبهم التصفيق الدائم والخضوع المُستمر..
أقول هذا كمقدّمة لرسالة موجّهة لمختار عشيرتي - أطال الله في عمره..
ذاك الذي أحترمه وأحبه لهيبته ووقاره وحكمته ولأنه من رائحة جدي الجميل الذي ضربني بخرطوم الماء ذات مساء لأني رفضت الإصغاء معه لخطاب الملك الراحل وفضّلت متابعة فيلم هندي على قناة أخرى وناقشته بقلّة أدب وأدرت ظهري للتلفاز عن جهل مني وجُرأة في التعبير عن الرفض..
لن أنسى وقفتك الى جانبي .. حين رفضني الجميع ذات ضياع..
وكرهني الجميع حين كرهت نفسي في قرية لم تستوعب أمثالي .. فاعتبرتني الأغلبية عارا على القبيلة وأبناء القبيلة وخطرا على بناتها ..
لست ممن ينسى ياعمي .. ياسيد الأعياد والدموع والضحكات التي لا تنسى..
لا أنسى حين فتحت لي باب مضافتك المُرصّعة حيطانها بصور أجدادك وأجدادي..
فرحّبت بي زوجتك الطيبة.. ومكثتُ ليلتين لا تنسيان بين بناتك في بيتٍ ستر الكثير وأصلح الكثير وطالب بالكثير للكثيرين بأسلوب أولئك البسطاء الذين يعتبرون أن التودّد لذوي الأمر واجب وأن عطاياهم مكارم وأن رضاهم من رضى الخالق ولا يعلمون أن الولاء لأشباه القادة المُسيّرين المُتواطئين الممسوسين بألف خيبة- خيانة للإنسان وخيانة للوطن - وأن الخبز جزء من كرامتنا التي استبيحت في أروقة الفنادق وفي صالات اللاعبين الخاسرين ممن باعوا الأرض وكنوز الأرض.. وعجول الأرض وبذور المواسم..
أتقبّل شتائمك الصباحية كلّها .. برحابة ابنة بلد تعرف جيدا معنى بلد ..
وأستوعب غضبك كلّه فهذا –للأسف- ما خُلقتم عليه ياعمي ولن يُصلح العطّار ما أفسدت القبائل أبدا..
ولكن أن تُعلنها واثقا حازما بنزقك المُحبّب .. أن تُسلّمني لدائرة المخابرات بيديك التسعينيتين – فهو أمر صدمني وأدهشني.. بل و أبكاني..
لم تتبرّع بذلك ياعمي..؟ وهل في تبرّعك هذا أُردنيّة خالصة؟
وهل تعرف المعنى الأعمق الأكبر للوطنية ياكبير القوم..؟
لم تتبرّع..؟ ولم يطلب منك أحد تسليمي ولست على قائمة المطلوبين بالأساس .. ولست أكثر من مجرّد ثرثارة عديمة النفع كما تعلم ويعلمون..
فلماذا ومن مجرد مكالمة هاتفية من أفّاق منافق فعلت هذا بي وصببت كل هذا الرصاص بأذني..؟
ياليتني ابنة قوم لايتبرّعون بإنعاش قلب كلب مأجور ينتقي من النصوص كلّها كلمة ويُسطّر دناءته حولها– ياليتني ابنة قوم يحترمون ذواتهم ولو قليلا ويحترمون اختلاف بعضهم ولو قليلا ..
لم أكن بارّة كي أفعل ما يجب على الوارثين أمثالي أن يفعلوا فشعلة الخنوع التي لازالت متوقّدة هناك أمام بيوت الطيبين المضحوك عليهم في القرى البعيدة والبوادي التي لا يعلم عن أمر بؤسها أحد لم أحملها يوما ولن أفعل..
أيها الوقور المُبجّل عندي .. أيا أبا علي ..
أعتذر منك ولكني أحببت أن تصلك رسالتي هذه ولن تصلك الا هكذا ..
فدمت بخير وعلى خير ودامت قريتي وأهل قريتي وجميع القرى الأردنية ومضارب البدو وسكّان المُدن الذين يشبهون ببؤسهم إشارات المرور في شرق عمّان أيضا بخير ..
مع تحياتي واحترامي
احسان الفقيه التي لن تتغيّر أبدا
التعليقات : 1
1طفيلية وافتخر2012-04-15 17:37:40الله محي اصلك يا بنت الاصول
No comments:
Post a Comment