كلمة بحق الطفيلة لا بد منها
بقلم: سالم الفلاحات
11/3/2011 5:20:00 AM
لو كانت بداية الحراكات الشعبية من المدن المتمدنة، ومن بيئات المتخمين بالراحة والتنظير الواسع، ومن ذوي الامتيازات التي لا تشبع ولا تتوقف وأصحاب الاضواء، او الذين لهم ملك ضائع يسعون لاسترجاعه وحتى لو كانوا الاعلى صوتا والاكثر فعالية والافصح خطابا والاكثر على الفضائيات ظهورا، ربما لبهت لون المشروع الاصلاحي وحقيقته ولما صمد كثيرا امام الشمس الحارقة والبرد القارس ورياح الخريف الحاصدة.
ولكن عندما تكون الانطلاقة من النواحي البعيدة المهمشة كالطفيلة جغرافيا او الطفايلة حيا من احياء عمان الذين لم تغير العاصمة مزاجهم الوطني الصادق، رغم الاعيبها منذ احداث دوار الداخلية التي اريد لها ظلما وكذبا ان تلصق بهم بلطجتها، وصور المعتصمون على الدوار انهم لا يمثلون الا شريحة واحدة اخرى كذبا وزورا واستدعاء لفتنة نائمة، فحرص الطفايلة في عمان هم وأهلهم في معان ايضا وفي مقدمتهم الشيخ المرحوم باذن الله عادل الخوالدة على تبييض وجه الاردن والاردنيين من هذا الزيف الكاذب، من خلال مواقف لا كلمات او ادعاءات، ولم يوجههم سوى حسهم الوطني وأخلاقهم العالية وصفائهم من التلوث والتلون والخنوع، وتناسوا فقرهم وحاجاتهم الملحة لصالح الوطن وبقاء لحمته قوية مصانة لا يلعب بها الهواة والمفسدون بغير وعي.
ولم يكونوا مترددين ولا متلجلجين ولم يلتفتوا للوراء ولم يمدوا ايديهم خلسة لاحد لا ممن يلقون الى المتسولين بعض الفتات ولا لمن يضربون الناس ويرهبونهم ونجحوا في الامتحان، وهذا حال الكثيرين من الاردنيين على امتداد الوطن كله، ولم يخدعهم نجاحهم وقوة موقفهم واستمرارهم وثباتهم امام كل وسائل الترغيب والترهيب والتيئيس، ولم يخرجهم عن منهجهم السلمي الواضح الرسالي والراشد، وذابت بينهم الفوارق والانتماءات والاتجاهات الفكرية والسياسية وارتقت لمصالح الوطن ولندائه الطاهر.
واليوم يستخدم معهم ويخصهم بأسلوب جديد ومعمول به عندما تطيش العقول وتغيب قيم العدالة والحرية والكرامة وحقوق المواطنة المشروعة شرعا وعرفا، وعندما يصبح التعلق بحبال الوهم بديلا للاصلاح وفتح حرية الرأي والتعبير واحترام الانسان، الا وهو تقديم اربعة منهم للمحكمة بسبب حراكهم الوطني، وقد كان القرار في عهد الحكومة الاصلاحية السابقة التي لا تتحمل المسؤولية كعادتها!!
ويتم الاستمرار في جرجرة الشرفاء الى معان وإلى الحسا لمحاكمتهم فيها، ولا ادري ما قصة محكمة الحسا هل هي المختصة او المخصصة لهذا العدل، وهل المحاكم في مدينة الطفيلة غير مؤهلة؟ ام ان لهذه الخلوة الصحراوية فوائد نجهلها تعود على الوطن والعدالة، وفوق كل ذي علم عليم.
وهذا السؤال الاول للحكومة الاصلاحية الحالية شكلا ومضمونا ومكانا وزمانا للموضوع كله.
اما السؤال الثاني: فهل استدعاء شباب من حي الطفايلة قبل ايام قليلة في عمان لدائرة المخابرات في عهد الحكومة الحالية، وترهيبهم وترغيبهم والطلب منهم التوقيع على مصادرة حقهم الدستوري والقانوني في التعبير عن الرأي بالوسائل السلمية وإلا!! هل ينسجم هذا مع ولايتها العامة، وهل هو بقرار منها ام بغير علمها، وهل هذا منهج سيحسب عليها وقد استبشر بها بعض الطيبين خيرا؟ وهل هذا هو الترجمة الحقيقة للشعار والوعد الذي رفعته الحكومة وطلبت من الحكام الاداريين كما تناقلت بعض وسائل الاعلام العمل به، وهو محاورة الحراكات الشعبية وتعميم الحوار منهجا فهل هذا هو الحوار؟؟ وهل المسألة معيشية فقط ام هي الاصلاح السياسي الشامل وهو اساس الاصلاح؟ إن كان هذا هو المنهج الجديد -وآمل ألا يكون- فإنه يفتح على الاردن والاردنيين بابا من الشر قد لا يغلق إلا بكلفة عالية لا قدر الله، طالما فتحه غيرنا في محيطنا العربي القريب ونتيجته ماثلة للعيان لا تسر صديقا ولا تغضب عدوا. إن على الحكومة صاحبة الولاية -كما سمت نفسها ووعدت الاردنيين- ان توقف مهزلة المحاكمة الانتقائية المصطنعة، فالطفايلة هؤلاء لم يسرقوا ولم يعتدوا على قانون ولم يخالفوا روح الدستور ولا نصه، ولم يبيعوا مقدرات الوطن، ولم يستبدوا بسلطة، ولم يزيدوا على المطالبة باصلاح النظام الذي لا يختلف عاقلان سليمان من الهوى والمصلحة الضيقة والفساد في الاردن، إنه استحقاق وطني لا يقبل التأجيل والمماطلة.
وكما للاردن الوطن امانة في اعناق الطفايلة وغيرهم من ابناء الوطن، يجب ان تؤدى مهما كان ثمنها سيما أننا نرى الخطر يتهدد كيانه جهارا نهارا من اعداء دافعت الحكومات المتعاقبة عن صداقتهم، وجرموا حتى من يغتابهم فانه في الوقت نفسه للطفايلة في اعناق الاردن والاردنيين امانة الوقوف معهم؛ لانهم مع الوطن وعدم تركهم للاستفراد بهم ممن لا يقدرون المسؤولية تقديرا سليما. وعلى الحكومة ان توقف وإلى الابد منهج:
* بلطجة الزعران الخارجين عن القانون.
* ومنهج الاستقواء بشبهة القوانين المكيفة حسب الحاجة والهوى.
* والكف عن استخدام سوط الأمن ترغيبا وترهيبا، وقد ثبت فشل هذه الوسائل حولنا في الربيع العربي على الاقل، وفي العالم قبل ذلك. ولا بد من الاحتكام الى صوت العقل والمنطق والحجة والقانون، فالمطالبون بالإصلاح اردنيون ليسوا ملائكة ولكنهم ليسوا شياطين ولا خونة ولا طارئين على الاردن، وأن المسؤولية امانة وأنها في الاخرة والدنيا خزي وندامة الا من اخذها بحقها.
سيقول لك المتخلفون من الخائفين على انكشاف سوآتهم وخطاياهم بحق الوطن وأهله: هذا تحريض ولا يقبل منك يا شيخ اتق الله... إلخ. لكن رويدك و اعلم ان الطفايلة اكبر من ان يلعب بهم محرض او مخوف على حد سواء، وهم اليوم مدرسة في المطالبة بالاصلاح. ولكن للدين ثوابت وللعروبة قيم وتقاليد راقية وللانسانية قوانين يجب ان ترى النور عند الحاجة وإلا ففي اسرة النوم متسع للشخير وفي ترانيم المشعوذين صفحات للتعاويذ الخائبة.